بالروح، بالدم، بالتضامن، نفديك يا وطن
عبد السلام المساوي
كان زلزال الحوز كبيرا ومدمرا، وازدادت أعداد الضحايا والمصابين بشكل أساسي بسبب الطبيعة الوعرة للوصول إلى بعض المناطق المتضررة كما ورد في بلاغ الديوان الملكي، بالإضافة إلى الأبنية الهشة التي لا يمكنها بأي حال من الأحوال مقاومة هزة خفيفة فما بالك بزلزال بقوة 7 درجات .
ولعل من محاسن هذه الدولة العريقة، وجود ملك يأخذ بزمام الأمور في قضايا الدولة سواء في السراء أو الضراء، حيث يقدم نموذجا في الحكمة والبعد الإنساني والتضامني في الشدائد .
إن السرعة التي جمع بها الملك محمد السادس جلسة العمل التي حضرها كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين، وإعطاء خطة عمل واضحة وبكل التفاصيل اللازمة للحكومة والسلطات العمومية، سواء بإعلان الحداد الوطني أو بتكثيف عمليات الإنقاذ وكفالة الضحايا وتعويضهم في أملاكهم وأضرارهم المادية والمعنوية وحماية المتضررين بالمآوي والمآكل، لهو تجسيد فعلي لملك جعل خدمة شعبه عقيدة وممارسة .
وما يسجل في هذا المصاب الجلل أنه غابت التراشقات السياسوية في مواجهة تبعات الزلزال، واجتمع الكل على معاني التضامن والتكافل ومحاولة المساعدة .
لم ينتظر المغاربة كثيرا كي يشمروا عن سواعدهم للتبرع بالدم من أجل إخوتهم المنكوبين، التطوع شمل أيضا للحاجيات الضرورية للمتضررين من الزلزال .
استل المغاربة سلاح القيم الأصيلة لمواجهة الفاجعة وتحركت حملة واسعة للتضامن .
حس عالي من المواطنة وتكافل وتضامن واسع عبر عنه العديد من المغاربة من داخل وخارج الوطن، من خلال اتصالاتهم المتكررة بالإذاعات الوطنية خلال تغطيتها للحدث الأليم، يعلنون استعدادهم لتقديم المساعدات المادية والمعنوية ، وفعلا فعلوا …المغاربة شعب عريق ومتضامن …فداك يا وطني .
روح وطنية أصيلة تحركها قيم مغربية تضامنية بعنوانين بارزين: التبرع والتضحية…تقاطرت أعداد كبيرة من المواطنين، نساء ورجال من مختلف الأعمار، على مراكز تحاقن الدم بهذه المادة الحيوية وتوفير الأكياس اللازمة، مساهمة منهم لتغطية الحاجيات الملحة والضرورية لضحايا الزلزال …تلبية لنداء الوطن …إنه انخراط نابع من الداخل .
المغاربة، كل المغاربة، من أبعد قرية إلى أكبر مدينة، انخرطوا في حملة التضامن بروح تعلم العالم أننا شعب عريق .
هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء، وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك أن تكذب أو تنافق أو تتضامن تحت الطلب، حين الشدائد لا يمكنك التمثيل، ويشهد الله اليوم أننا جميعا نحس بتمغربيت : المغاربة لا يمثلون حين الأزمات والكوارث، هم يتضامنون وانتهى الكلام .
إن المغرب ساكن في وجدان أبنائه أينما تفرقت بهم الفرق ، وهذا الأمر يسري على كل « ولاد وبنات البلاد « الموسومون منذ لحظة المجيء والولادة، وحتى لحظة الذهاب والرحيل بوسم الانتساب المشرف المسمى ….المغاربة .
طوابير لا تنتهي تمتد من وجدة إلى تازة، ومن الدار البيضاء إلى الجديدة، ومن مكناس أو مراكش أو الصويرة أو تافيلالت أو سوس أو فاس أو الرباط إلى بقية المدن المغربية في صحرائنا الغالية . طوابير تقول الارتباط كله، والتضامن كله ماديا ومعنويا، روحا ودما، والامتنان كله لملك البلاد، ملك المغاربة، كل المغاربة ..
إن علاقة المغاربة بوطنهم، علاقة استثنائية ومتفردة ولا يوجد لها مثيل لها في العالم أجمع .
شيء ما تحرك في دواخلنا جميعا هذا الحدث – الفاجعة .
هذا الشيء يسمى تمغربيت الأولى التي تقطننا دون أي استثناء …
« تمغربيت « هوية لوحدها وانتماء لوحده وانتساب لوحده ، فيها تجتمع هاته الفسيفساء التي تشكلنا نحن المغاربة جميعا، يهودا ونصارى ومسلمين وديانات أخرى، وعربا وأفارقة وأندلسيين وأمازيغ وقادمين آخرين من كل مكان على هاته الأرض كي نصنع منذ قديم القرون والعقود الأمة المغربية ، وهي نسيج وحدها، وهي تفرد خاص واستثناء مغربي خالص …
في هذا الحدث الأليم روح مغربية عظيمة ، أصيلة وأصلية ، ذكرت كل واحد منا وكل واحدة بشيء ما داخله يقول له إنه مغربي ويقول لها إنها مغربية ….
واهم من يعتقد أن المواطنة مجرد بطاقة، إنها تعبير عن قيم متجذرة في العقل والوجدان.
واهم من يعتقد أن المواطنة مجرد شهادة سكنى، إنها تعبئة للنضال من أجل الوطن، إنها ترسيخ للقيمة الأولى المؤسسة لأي فعل مجتمعي هي قيمة الانتماء التي أصبحت قيمة إنسانية في زمن فوضى العولمة، بعدما كانت تحصيل حاصل زمن سيادة الفكرة الوطنية إبان النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 13/09/2023

