بالصدى: أعطاب الصحة .. و «العلّة» الأخلاقية

شكّلت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 منعطفا صحيا حاسما للنهوض بالقطاع الصحي وتأهيله تأهيلا سليما، لكي تكون له القدرة على مواجهة التحديات الصحية المختلفة، سواء تعلق الأمر بالخدمات الطبية والعلاجية اليومية التي يجب تقديمها للمواطنين في مختلف المرافق الصحية، أو لاحتواء الجائحات المختلفة، التي تتجاوز كلفتها ما هو صحي لتمتد إلى ما هو اقتصادي واجتماعي.
هذه الرؤية وهذا التوجه لا يلغيان بأن المغرب قطع أشواطا مهمة من أجل تطوير منظومته الصحية، وخصّص لها ميزانيات جد مهمة، وأعدّ لذلك الخبراء والمختصون مخططات وبرامج وخطط وسياسات مختلفة، محدودة في الزمن والأثر، لكن وبكل أسف، إن استطاع بعضها تحقيق نتائج متوسطة أو مهمة في بعض الحالات، فإن الكثير منها لم يؤت أكله لأسباب مختلفة، يحضر فيها “الذاتي” و “الموضوعي” على رأسها ما يمكن تسميته بـ “التهافت السياسي” الذي جعل الصحة في مرات عديدة “رهينة” تقديرات وتجاذبات تتجاوز خدمة الصالح العام، وهو ما جعل الكثير من الفاعلين ينادون في مناسبات كثيرة بإحداث هيئة عليا للصحة، على أمل أن تكون “مؤسسة حيادية” تضمن “التوزان” وتحرص على استمرارية السياسات الصحية مع تقييمها في كل أطوارها من أجل إعادتها إلى سكّتها الصحيحة متى أدى عامل من العوامل المختلفة إلى مغادرتها لها، “طوعا” أو “قسرا”.
واليوم، وبعد كل الأشواط التي قطعها المغرب، سواء في إطار محاربة الأوبئة والأمراض المعدية، أو توسيع برامج التلقيح، مرورا بالتكفل بأمراض لا تزال تشكل تهديدا صحيا كالسل والسيدا وغيرهما، وباستحضار مراحل تعميم التغطية الصحية، منذ العمل بـ “شهادة الاحتياج” مرورا بنظام المساعدة الطبية “راميد”، هذا الأخير الذي جاء نتيجة عزيمة قوية للمرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول السابق في حكومة التناوب، الذي سطّر تفاصيله قبل أن يرى النور، بالرغم من الإشكالات التي تلت التنزيل والعمل بالنموذجين معا، الأول والثاني، إلى جانب التوقف عند محطة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومساهماتها المتعددة في مجال الصحة، وكذا إحداث مؤسسة للاسلمى لمحاربة السرطان وما قدمته هاته المؤسسة للمصابين بهذا المرض القاسي وعلى رأسهم النساء، وصولا إلى الورش الملكي الرائد للحماية الاجتماعية، وفي مقدمته قرار تعميم التغطية الصحية، الذي يمضي في طريقه، بالرغم من علامات الاستفهام التي ترافق بعض محاوره والإشكالات التي تعترضه، مما يؤكد على أن الهمّ المتعلّق بصحة المغاربة لم يظهر مع “ولادة” حكومة عزيز أخنوش، وما تحقّق من إيجابيات لم يكن الفضل فيه لهذه الحكومة كما يدّعي رئيسها، الذي يحاول أن “يستولي” على كل ما هو “مزهر” والتنصل من كل ما هو “مقفر”.
هذه المكتسبات التي تحقّقت طيلة هذا المسار، اصطدمت في كثير من المرات بتحدّيات مختلفة، جعلت المنظومة الصحية تعتّل ويطالها الوهن، وهو ما يؤكّد على أنها لم تكتسب المناعة الضرورية التي تضمن لها القوة لمواجهة كل الأمراض والعلل التي قد تصاب بها، والتي تأتي على رأسها “علّة الأخلاق”، التي تحتاج إلى أكثر من “تخطيط”، والتي تتجاوز بكثير النقائص المختلفة، التي يبقى عدد منها موضوعيا ويحدّ من ولوج المغاربة إلى الصحة، سواء تعلّق الأمر بالنقص في الموارد البشرية “كمّا وكيفا” أو في المعدّات التقنية والبيوطبية، وكل ما يهمّ “البنية التحتية الصحية”، التي تفرض نفسها على واقع المهنيين، إما بسبب “سوء تقدير” مركزي أو جهوي أو محلي، أو “عجز” عن ترتيب الأولويات في السياسة الصحية، أو “تهاون” يدخل المسؤولين بمختلف مستوياتهم في هذا القطاع داخل “زمن الرتابة” وفي المقابل يجد المرضى أنفسهم في طوابير طويلة لـ “الانتظار”، مما يجعلنا أمام مشكل كبير عنوانه “حكامة مريضة” والحاجة إلى وصفات لتعزيز الحسّ الوطني ولرفع مستويات التطوع ونكران الذات عند كل من له صلة بهذه المنظومة.