بالصدى .. احتجاجات بذكرى 81

وحيد مبارك

يتذكر عدد من الأساتذة والأطباء اليوم، وإن بصعوبات بالنسبة للبعض، تفاصيل الإضراب الذي عرفته كليات الطب والصيدلة حين كانوا في طور الدراسة والتكوين سنة 1981، ليس في علاقة بالإضراب العام، ولكن في ارتباط بدوافع «طلابية» تتعلق بالتكوين دائما، وبأسباب أخرى متعددة، دفعت طلبة السنة الرابعة بصفة خاصة آنذاك للاحتجاج بشكل جماعي، فتمت مساندتهم بكيفية تضامنية من طرف طلبة باقي المستويات.
وبالعودة إلى الإضراب الذي مرت عليه 43 سنة، فقد كان الدافع الأساسي لخوض الاحتجاجات، تأخر الدروس وتراكمها مقابل إعلان الإدارة عن موعد الامتحانات، الذي اعتبره الطلبة في حينه غير مناسب ولا يمنحهم مدة كافية للتحضير، بل أن عددا منهم شبّه اجتياز الامتحان داخل «الأجل الإداري» المعلن عنه هو بمثابة «انتحار»!
هذا الرفض، تطور إلى الدخول في موجة من الاحتجاجات والإضرابات التي تم تسطيرها، بهدف حث «الإدارة» على التراجع عن قرارها، لكن وعلى عكس ما كان منتظرا تشبثت بقرارها مما أدى إلى دخول الطرفين في مواجهة مفتوحة، تحكّم في تفاصيلها منطق العناد، والأخذ والرد، والفعل وردّ الفعل، مما دفع لإعلان سنة بيضاء، دفع ثمنها عدد من طلبة الطب، بسبب «سوابق رسوبية»، الذين وجدوا أنفسهم بعيدا عن المهنة التي تمنوا ممارستها، وولجوا التكوين الخاص بها بكل حب وأمل وهم يترقّبون، هم وأسرهم، اليوم الذي يحصلون فيه على شهادة الدكتوراة في الطب، الأمر الذي تأتى للبعض الذين كانت أمامهم فرص لـ «الاستدراك»، لكن بالمقابل عجز عن ذلك من كان «رصيدهم الدراسي» قد انتهى!
هذا السيناريو القاتم، بمآلاته ومخرجاته التي قد لا يعرفها الجميع، من المهم التذكير به اليوم، مما قد يساهم في إنعاش ذاكرة البعض، وقد يعرّف بالمقابل البعض الآخر بهذا الحدث الذي قد يكون يجهله، والذي لم يكن يعتقد الكثير من المتتبعين للشأن الصحي على أن حدثا مماثلا قد يتكرر، وإن ظلت الاحتجاجات حاضرة في كليات الطب والصيدلة بين الفينة والأخرى لأسباب مختلفة، والتي كان يتم احتوائها ولو بعد حين بكثير من التعقل والتبصر، وبعيدا عن منطق التراشق المبني على الاتهام والتخوين والتسلط، الأمر الذي يغيب بكل أسف اليوم، بعد أن وصلت إضرابات طلبة كليات الطب والصيدلة إلى مستوى يثير قلق الجميع، آباء وأمهات، طلبة أيضا، عددا من المسؤولين، مجموعة من المهتمين بالشأن الصحي، دون أن ننسى التخوفات والهواجس التي ترافق فئة أخرى، قد لا ينتبه إليها الكثير من المتتبعين، ويتعلق الأمر بتلاميذ السنة الثانية باكلوريا وأسرهم، الذين ينتظرون اجتياز الامتحانات والنجاح في مرحلة أولى لطرق أبواب التكوين الطبي في مرحلة ثانية.
هو وضع شائك، يحاول بعض أصحاب النوايا الحسنة، أن يحددوا لكل نقطة من نقاطه إطارها وسياقها، وأن يسموا الأشياء بمسمّياتها على مستوى المسؤوليات نموذجا، فما للطلبة هو لهم لا لغيرهم، وما للأساتذة من الناحية البيداغوجية هو اختصاص وجب احترامه، وبينهما تطفو بعض الحلول الوسطى، خاصة بعد الاستجابة لنقاط عديدة وتحقيق مكتسبات غير مسبوقة في مسار التكوين الطبي، المرتبطة بالتعويضات المادية، وبزمن الممارسة بعد التخرج، وإمكانية التخصص بعيدا عما كان معمولا به في السابق، وغيرها من التفاصيل الأخرى، التي يرى عدد من المهتمين أنها تشكل قيمة مضافة يجب الافتخار بتحقيقها.
مكتسبات يرى الكثيرون بأنه يجب استثمارها بشكل إيجابي، لتشكّل أرضية لنقاش مستمر نحو تحقيق الأفضل للتكوين الطبي في بلادنا ولصحة المغاربة، لكن بعيدا عن منطق «لي الذراع» من جهة، ودون السقوط في «التجريح» من جهة أخرى، وذلك بتبني تواصل رسمي لا يحتمي بما هو «سيادي» حقا، وبالتالي يعكس نقاشا مسؤولا عنوانه النضج وتحمّل المسؤولية وتغليب المصلحة الفضلى للوطن.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 23/04/2024

التعليقات مغلقة.