بالصدى .. الصحافة بمنطق «لعب الدراري»

وحيد مبارك

بعض المسؤولين، في 2025، لا يزالون يرون بأن الصحافة وبأن الحق في المعلومة لا قيمة لهما، ضدا عن الدستور وعن القوانين وعن كل التصريحات الرسمية، وبأن العمل الصحفي لا يعدو أن يكون لعبة، وبالتالي لا ضير أن يأمر ممثل للإدارة الترابية، وبدون أن يحسّ بمركب نقص، صحافيا بأن يذهب لكي «يلعب بعيدا».
هكذا، وبتصريح من هذا القبيل، يتبين على أن التقارير الدولية والوطنية ذات الصلة بهذا المجال، وسنوات التكوين والتكوين المستمر، والماسترات التي تُفتح كل سنة في مجال الإعلام في الكليات وغيرها، هي مجرد لعب لـ «الدراري»، لا تتجاوز «رجيلة» أو «الطرومبية» أو «البي»، وقد لا ترتقي إلى مصاف «غميضة» و»حابة» ولا إلى مستوى «غمالة»، أما «الشطرنج» فذلك مجال أكبر لا يمكن أن نحلم به، فـ «الكبار» وحدهم الذين يلعبونه ويعرفون استراتجياته ومغزاه، البعيد بطبيعة الحال عن الفهم القصير لمعشر الصحافيات والصحافيين.
إن ما أقدم عليه رجل سلطة برتبة باشا بعمالة مقاطعات الحي الحسني بالدارالبيضاء، ليس بالحادث المعزول، فما أصبح يتعرض له الصحافيون من إهانة وتعنيف لفظي، الذي قد يتجاوز ذلك في بعض الحالات، أثناء محاولاتهم لتغطية وقائع معينة؛ وأنا أتحدث عن من يقوم بعمله بشكل مهني طبعا؛ يطرح أكثر من علامة استفهام حول فهم «المعنِّفين» لمعنى الصحافة، الذي قد يراه البعض يُختزل في الإشادة والتنويه فقط، ويحصر أدوارها في «الترديد الببغاواتي» لبعض التفاصيل الرسمية، دون أن تتجاوز حدود ذلك.
هذا الفهم القاصر، لما يعتبره البعض بـ «صداع الراس» أو بـ «لعب الدراري»؛ دون الحديث عن اتهامات أخرى تكون جاهزة هي أكثر إيلاما وحطّا للكرامة؛ يتفشى يوما عن يوم، ويمكن الرجوع لبلاغات النقابة الوطنية للصحافة المغربية للوقوف على حجمه المتنامي، والذي يكون أحيانا مجرد «تقدير» شخصي بعنوان «الفشل»، من أجل السعي لترجمة تعليمات مسؤول أكبر، قد لا يريد فعلا حضور الهواتف لتوثيق خرجاته في الشارع العام، للإشراف على تدخل معين، وقد يعني بذلك عموم المواطنين و «الفضوليين» لا الصحافيين، كما أنه قد يضع الجميع فعلا في كفّة واحدة، فما يكون من المرؤوس الذي تلقى الأمر إلا أن «ينتفض» لتنفيذ «الحظر» بأي شكل ومن الأشكال، ومهما كانت الطريقة لذلك، علما بأنه في عدد من الحالات يكون الموقف المتخذ ذاتيا، والفعل «اجتهادا» شخصيا، لم يتلق بخصوصه المعني بالأمر أي تعليمات، فيفسد اللحظة بكل تفاصيلها!
بالأمس القريب، قيل بأنه لا يمكن التمييز بين الصحافيين وبين «المتطفّلين» في حالات تعنيف كثيرة وقعت، وبالتالي وجب التمييز بينهم بشكل لا يترك مجالا لأي لبس، وبالفعل تم اعتماد صدريات خاصة وفّرها المجلس الوطني للصحافة للمساعدة على تبديد «غيوم الشكّ»، أخذا بعين الاعتبار أنه في واقعة الحي الحسني وفي غيرها، يكون الصحفي أو المراسل الذي يقوم بالتغطية معروفا من طرف الجميع، بل وتتم مخاطبته باسمه، وتتم مطالبته من طرف البعض، أعوان وغيرهم، بـ «التجاوز» وأن «يبدّل الساعة بأخرى» حين تقع مثل هذه «المشاكل»، وبالتالي فإن مسالة «الجهل» هنا غير واردة بتاتا، بل يتضح على أن سلوك المنع والإهانة والاعتداء، هو متعمّد ولا مجال فيه لـ «الخطأ»؟
إن واقعة الحي الحسني ليست هي الأولى من نوعها، في علاقة بخرجات والي جهة الدرالبيضاء سطات، فإذا كان عدد منها مرّ بشكل سلس ودون وقوع أحداث تسيء للصحافيين ولمهنة الصحافة، ففي مناطق أخرى، وقف بعض المسؤولين فعلا أمام نساء ورجال الإعلام الحاضرين لمطالبتهم بعدم التصوير، بلغة مستسمحة، خلافا لتلك التي تم استعمالها في واقعة «اللعب»، وهو ما يجب معه تقديم توضيح رسمي من سلطات الولاية، حول العلاقة التي ترغب في أن «تنسجها» مع الإعلام بمختلف مكوناته، لا مع البعض منه فقط، سواء داخل مقر الولاية أو في فضاءات أخرى ومنها الشارع العام ؟

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 21/01/2025