بالصدى : الصحة النفسية والعقلية .. العطب الصحي الكبير
وحيد مبارك
آلام صامتة ومشاهد صادمة
كثيرا ما تتجه النقاشات والمطالب ذات الصلة بالصحة نحو ما هو عضوي، في حين أن الحديث عن الجانب النفسي يكون بحدّة أقلّ، كما لو أن هذا الشقّ لا يحظى بالاهتمام أو أنه لا يجد لنفسه موقعا ضمن خانة الأولويات الصحية، بالرغم من أن أعطابه جد وخيمة، على الفرد والمجتمع على حد سواء.
لا يكتشف البعض معضلة الصحة النفسية إلا حين يصاب أحد الأقارب بكبوة تدخل الأسرة برمّتها في دوامة من التيه، خاصة إذا لم يتم الانتباه إلى أسبابها ولا إلى ظهور ملامحها في البداية، والتي تتخذ صورا متعددة يتم التعامل معها باستهانة، لسوء فهم أو تقدير أو معرفة أو لعامل من العوامل المختلفة الأخرى، ولا يتم الوقوف على «هولها» إلا حين تفاقم الأمر، لأنها تكون مثل قطعة الجليد التي لا يظهر منها إلا الجزء الصغير الذي يطفو على السطح، في حين أن المستتر منها تحت «الماء» يكون مرعبا.
أعطاب تجد بيئة واسعة حاضنة لها، فالقلق بات مستأسدا بسبب ظروف وضغوط الحياة المختلفة، المادية منها والمعنوية، في المدرسة والبيت والشارع وفي أغلب فضاءات العمل، والطريق إلى الإدمان أضحت معبّدة وتقريب المخدرات باختلاف أشكالها من المدمنين بات يسيرا، رغم كل الجهود المبذولة لمحاربة الظاهرة ومروّجيها، وعوامل الاكتئاب والانطواء والغضب المؤدية إلى التذمر وعدم تقدير الذات بل وحتى إلى الانتحار هي متفشّية، وتقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للحسابات والتصريحات الرسمية للوزارة الوصية، كلها تُجمع على أن الصحة النفسية للمغاربة ليست بخير.
إقرار بوضع نفسي معتلّ، تزيده قتامة مشاهد المرضى وهم يهيمون في الطرقات، ذكورا وإناثا، بدون ملابس أو نصف عرايا وفي وضعيات جد مؤلمة، حاطّة من الكرامة، بعضهم في مرحلة عدوانية جدّ متقدمة، يحملون الحجارة أو العصي أو القضبان الحديدية، يستهدفون بها الأشخاص والممتلكات الخاصة، معرضين الكل للخطر. مشاهد تتكرر في أكثر من منطقة، والغريب والذي يعتبر موضوع علامات استفهام متعددة، هو أن بعض العمالات في الدارالبيضاء، كما هو الحال بالنسبة لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، تعتبر منطقة مستقبلة وبشكل مستمر لعدد كبير من هؤلاء المرضى، بشكل لافت للانتباه ويبعث على الحيرة، حول كيفيات «اتفاق» هؤلاء المصابين بأمراض نفسية وعقلية على «التوجه» تحديدا إلى هناك، في مشهد يربطه سكان المنطقة بنفس شكل «نزوح» المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء إلى المنطقة؟
إن هذا المدّ التصاعدي للأمراض النفسية، يجد العديد من العوامل المساعدة له على التفشّي، فالصحة كما تراها منظمة الصحة العالمية في إطارها المتكامل، ليست هي نفسها التي يحسّ بها المواطن، فالتحسيس والتوعية يتّسمان بالضعف، في المقرر الدراسي وفي المؤسسات التعليمية والفضاءات الثقافية والدينية، وعلى مستوى وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وحضور الموضوع يبقى مرتبطا بتواريخ معينة كما هو الأمر بالنسبة للعاشر من أكتوبر من كل سنة، أما الولوج فهو جد مستعصٍ بسبب ضعف البنية الاستشفائية وعدد الأسرّة، وبفعل الخصاص في الموارد البشرية المختصة، وعجز المصالح المتوفرة على استيعاب العدد الكبير للمرضى، بالإضافة إلى النقص بل وحتى الندرة في الأدوية، وارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص، والعجز عن تشكيل خلايا استماع في مختلف الفضاءات لتحديد المشكل في بدايته قبل أن يتطور إلى ما لا تحمد عقباه، وغيرها كثير من الأسباب التي تؤدي إلى اتساع رقعة العطب النفسي.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 16/01/2025