بالصدى .. جلسة برلمانية لإعلان «إفلاس» المستشفى العمومي

وحيد مبارك

لم يكن وزير الصحة والحماية الاجتماعية يعتقد أن الجلسة العمومية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب ليوم الاثنين 6 يناير 2025، التي جاء لتقديم أجوبة تخصّ أسئلتها التي كان عددها 12 سؤالا، ستتحول إلى جلسة اختلط فيها «الشفوي» بـ «الكتابي»، وسيتم خلالها تشريح أعطاب المستشفى العمومي، الذي وبحسب «الأسئلة التي تم طرحها أو لنقل «الشهادات» يعيش السكتة القلبية، بالنظر إلى حجم الخصاص الكبير في الموارد البشرية أساسا، ثم في البنية التقنية واللوجستيكية عامة، التي من شأن توفرها تقديم خدمة صحية تتناسب وحجم انتظارات المواطنين عموما والمرضى خصوصا.
ووجد المتتبعون لجلسة الاثنين أنفسهم أمام مشاهد لـ «محاكمة» لقطاع الصحة العمومي، سواء تعلّق الأمر بأسئلة الأغلبية أو المعارضة، على حد سواء، إذ قام عدد من النواب بتحويل «صيغة» الجلسة للتساؤل عن أسباب «إفلاس» المستشفى العمومي، وإن اختلفت اللغة التي استعملت والمقدمات التي رافقت طرح مجموعة من الأسئلة/الملاحظات، ليتفق التشخيص الذي تم تقديمه مع ما يطرحه الفاعلون في القطاع الصحي أنفسهم ويدفعهم للاحتجاج المتواصل، ومع ما ينتقده المواطنون بشكل مستمر، بالرغم من الجهود التي يبذلها شرفاء القطاع للقيام بواجبهم المهني في ظل الإكراهات والتحديات التي تعترضهم والتي تعدّ بالجملة ولا حصر لها.
لقد جاء التهراوي بمداخلة جاهزة، عبارة عن كلام بدون روح، لا يختلف في أي شيء عما قيل وظل يتردّد رسميا وتحت نفس القبة وخلال لقاءات «عمومية» لزمن طويل، في غياب أي أثر فعلي له على أرض الواقع، فأزمة الخصاص في الأطباء تتواصل بل وتستفحل بشكل أكثر حدّة، وهناك مستشفيات في عدد من الأقاليم، كما ورد على لسان نواب الأمة أنفسهم، بدون أطباء في عدد من التخصصات، على رأسها أمراض النساء والتوليد، مما يجعل المواطنين ينقلون النساء الحوامل لمسافات طويلة، في ظل صعوبات متعددة، وفي ظل الافتقاد لسيارة إسعاف مجهزة في كثير من الحالات، صوب مستشفيات بعيدة لعشرات الكيلومترات، أملا في إنقاذهن هنّ وأجنّتهن.
مستشفيات تعاني من نقص حاد في الأطباء وفي المعدات الطبية والبيوطبية، جعلها هذا الخصاص الكبير عبارة عن بنايات مفتقدة للنجاعة، مما يطرح علامات استفهام عديدة حول الغاية من تشييد وإعادة تأهيل مرافق صحية، في غياب الأطر الكفؤة التي يمكنها أن تتكفل بصحة سكان تلك المناطق، خاصة النائية منها، حيث يقوم الممرضون وتقنيو الصحة بمجهود جد كبير، في محاولة منهم للإجابة عن عدد من الاحتياجات الصحية، التي لا يمكن أن يتحقق الكثير منها إلا في حضور الطبيب المختص؟
واقع، يسري كذلك على مصالح الإنعاش والعناية المركزة، فرغم كل ما وقع خلال الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، التي كان من المفروض أن تشكّل درسا للقائمين على الشأن الصحي من أجل اتخاذ ما يلزم من تدابير لتطوير عمل المستعجلات ولتجهيز المستشفيات العمومية بهذه الأسرّة والرفع من عدد الأخصائيين، خاصة وأن التحديات الوبائية العالمية مستمرة، فإن واقع الحال يؤكد أن هناك مرافق صحية تحتاج فعلا لـ «الإنعاش» على أكثر من مستوى، في ظل وضعية التردي التي وصلت إليها، والحال أن المستشفى العمومي يجب أن تبذل كل الجهود الفعلية لكي يكون قاطرة للصحة لا تابعا ومكمّلا، وأن تتوفر فيه مواصفات ومقوّمات وشروط «الجاذبية»، لا بالنسبة للمهنيين ولا للمواطنين، حتى لا يتم هجره نحو اتجاهات أخرى!

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 08/01/2025