بالصدى : سياسة عمومية ضد السرطان

وحيد مبارك

يكثر الحديث خلال شهر أكتوبر عن سرطان الثدي تحديدا، وتتعدد الحملات، التي يهدف من خلالها الأطباء وعموم مهنيي الصحة والمؤسسات المنخرطة في المبادرات المختلفة، الكشف عن هذا السرطان في وقت مبكر من أجل توجيه المصابات صوب العلاج في أسرع وقت، حتى يكون بالإمكان الحدّ من تطوره والقضاء عليه، إلى جانب القيام بحملات تحسيسية وتوعوية، تهدف إلى رفع المنسوب التثقيفي عند المرأة بخصوص هذا السرطان الذي يصر على إصابة النساء وعلى التسبب في معاناة للكثير منهن، هنّ وأسرهن، والتي تتعدد مستوياتها.
خلال هذا الشهر، في 2006، تم إطلاق مبادرة عالمية لمواجهة سرطان الثدي، اختير لها اللون الوردي، الذي يتمنى الكثير منا أن يقضي على السواد الذي يسكن الوجوه والحزن الذي يخيّم على القلوب والقتامة التي تدخل البيوت، متى تم الإعلان عن تسجيل حالة إصابة جديدة، خاصة حين يتسرب المرض إلى أجساد تعاني الهشاشة على أكثر من مستوى، صحيا واقتصاديا واجتماعيا، فيضاعف الفقر من حدّة المعاناة، ويحول دون تمكين المريضات من الولوج السلس والسريع إلى العلاج.
هشاشة، تتواصل فصولها، إذ لم يتم القطع معها، فرغم الخطوات المهمة التي خطتها بلادنا في طريق الحماية الاجتماعية، لتمكين المواطنين من الولوج إلى الخدمات الصحية بشكل عادل ومتكافئ، من خلال قرار تعميم التغطية الصحية، فإن هناك فئات لا تزال لم تستفد منه بسبب مساطر إدارية، فعطّلت بذلك هذا القرار التاريخي الهام، بشكل أو بآخر، وهناك حالات عديدة في هذا الإطار، تؤكد حقيقة هذا الوضع المؤلم، ومنها ما يخص شابات، بدون عمل وبدون معيل، أصبن بهذا السرطان الذي يحتل قائمة السرطانات الأكثر انتشارا عند النساء، الأمر الذي شكّل لهن صدمة ورجّة وشرخا في حياتهن، وكانت له الكثير من التداعيات، التي تجاوزت ما هو عضوي إلى ما هو نفسي، خاصة حين تجد المصالح الاستشفائية نفسها عاجزة عن إيجاد حلول لمعضلة صحية فتقع، حتى وبدون إرادتها، في خانة عدم تقديم المساعدة لشخص في وضعية تحتاج للسند والدعم على مختلف المستويات؟
إن السرطان ليس بالمرض الهيّن، وقد كان لعمل مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، الأثر الكبير في مواجهة الداء، وفي الرفع من نسبة التشخيص المبكر، وفي الولوج إلى العلاج، واحتضان المريضات بعيدا عن بيوتهن ومدنهن، وهو الجهد الوطني الكبير الذي يحتاج اليوم إلى المزيد من الاحتضان وإلى الرفع من قدراته وطاقاته لكي تتسع رقعة احتضان المريضات أكثر فأكثر. هذا المرض الذي يواصل الفتك بضحاياه، يحتاج منا لسياسة عمومية خاصة به، يتكامل فيها ما هو صحي بما هو اقتصادي واجتماعي، ويضمن ولوجا سريعا وسلسا للعلاج، بعيدا عن الإكراه المادي، الذي يعوق ويحول ويزيد من حجم المضاعفات الوخيمة، التي قد تؤدي وبكل أسف إلى الوفاة.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 25/10/2023

التعليقات مغلقة.