بالصدى: فلاحة «عادمة»

وحيد مبارك

 

أبى بعض الفلاحين في إقليم النواصر في جهة الدارالبيضاء سطات إلا أن يزيدوا من حجم القلق في النفوس، وأن يجعلوا دائرة الشك تتسع، وأن يضمنوا للخوف على الأمن الصحي المرتبط بالغذاء امتدادا أكبر، ففي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن بذل مزيد من الجهود من أجل ضمان إنتاج غذاء آمن وصحي، وتحسين شبكات الري وتطوير تقنيات جديدة وحديثة للزراعة، ورفع الإنتاج مع ترشيد استهلاك المياه، تأتي الأخبار من هناك لتكشف عن واقع مرير، والمتمثل في استمرار عمليات سقي هكتارات شاسعة من المزروعات، من الخضر والفواكه وعموم ما يأكله المواطنون ويشكلّ عنصرا أو أكثر من عناصر المائدة المغربية بالمياه العادمة.
خبر وإن لم يكن بالسابقة أو الاستثناء، نظرا لأن هذا الموضوع سبق وأن أثيرت بعض من تفاصيله خلال سنوات فارطة وفي مناطق مختلفة، لكن سرعان ما تم طي صفحته بمرور الأيام ونسي الجميع لحظته القاتمة وما رافقها من خوف من تداعيات هذا الوضع، فإنه عاد اليوم لينضاف إلى كل التراكم السلبي المرتبط بقطاع الفلاحة في بلادنا، بمخططها الأخضر وجيلها «الجديد»، ليبيّن على أن فشلا كبيرا يؤكده واقع الأشياء ضدا عن التصريحات الرسمية للحكومة ودفاع ممثليها عن حصيلة هذا القطاع، الذي بات تحت رحمة الاستيراد، من رؤوس الأغنام والأبقار مرورا باللحوم المجمدة فزيت الزيتون والعديد من المنتجات الاستهلاكية الأخرى، بسبب الجفاف من جهة، واستنزاف الفرشة المائية بشكل جشع من جهة ثانية، مما جعل بعض منعدمي الضمير، يتوجهون لربط أراضيهم بأنابيب تأتيها بماء الصرف الصحي لسقيها.
إننا اليوم أمام مخطط «خزّي» في علاقة باللون، الذي لا يمكن إلا نحس معه بالخزي، بما أن بطون المغاربة باتت تستقبل هذه الأنواع من المزروعات، التي وبكل أسف تُقتنى بأسعار ليست في متناول الجميع، لأنها متى ولجت الأسواق تباع بنفس الثمن المرتفع مقارنة مع نظيراتها حين يوضع الكلّ على طاولة «الخضّار». خضراوات خاصة منها «الورقية»، وفواكه، ومنتجات «عطرية» مختلفة، تصل إلى المستهلك مسمومة، مهددة كل متناول لها بالضرر الصحي، سواء منه الآني أو البعدي، بما أن مخاطرها لا تقتصر على مكوناتها الجرثومية فقط بل تشمل كذلك ما تمتصه من معادن ثقيلة لها كلفتها الصحية القاتمة، التي قد تظهر على مدى متوسط أو طويل.
مزروعات تسقى بشكل مستمر بالمياه العادمة، تجد طريقها إلى أفواه المواطنين صغارا وكبارا، خاصة تلك التي لا يتم طبخها ولا تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة، التي يمكن على المستوى الجرثومي أن تتسبب في الإصابة بالتيفويد الذي تسببه بكتيريا السالمونيلا، أو بفيروسات أخرى كالنوروفيروس، وقد تتطور إلى الإصابة بالسرطان، مشكّلة بذلك خطرا على البيئة والصحة العامة، وهو الأمر الذي تتضح خطورته بشكل أكبر حين يتم الوقوف على نوعيات المعادن الثقيلة التي قد تمتصها من مياه الصرف الصحي، كما هو الحال بالنسبة للرصاص، والزئبق، والزرنيخ، والكروم، والنيكل، والزنك، والكادميوم، لاسيما في الأراضي الزراعية المحاذية للمناطق الصناعية.
إن واقعا قاتما من هذا القبيل يجب أن تتحدد المسؤوليات المرتبطة به، وأن تترتب عنه جزاءات واضحة، لا تقف عند من أقدم على خطوة السقي، بل تشمل الجهات الموكول إليها المراقبة والتتبع والحرص على سلامة المواطنين، وعموم مستنزفي الفرشة المائية بشكل عام، ومن تسبب في تدهور الفلاحة المغربية. وإلى جانب المحاسبة لا بد من اتخاذ تدابير فعلية لحماية المستهلك من كل الخطر الذي يحدق به من كل صوب، الذي يأتي عبر الغذاء ومن خلال مساحيق التجميل والمواد شبه الصيدلانية غير المراقبة ومن خلال «استباحة» الهواء، ومن مصادر مختلفة، في زمن يقطع فيه المغرب أشواطا كبيرة من أجل منظومة صحية ناجعة تقوم على المقاربة الوقائية للتقليص من نسب تفشي الأمراض، خاصة السرطانية منها، وما يهم أمراض الكلي التي يجد معها عدد كبير من المواطنين أنفسهم مضطرين للخضوع لحصص تصفية الدم بمعدل حصتين أو ثلاث في الأسبوع الواحد، وغيرها من «الفاشيات الصحية» التي يشكّل التلوث بشكل عام، أحد مسبباتها والتي تتعدد تبعاتها ومضاعفاتها المهددة للأمن الصحي.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 25/02/2025