بين القلق والغضب فسحة أمل

فريدة بوفتاس

غالبا ما ينصحنا أهل علم الطب بألا نقع فريسة للقلق، لأن القلق مؤذ للبشر، يقلل مناعتهم/ن، إنه مثل سم يدس في البدن، فيهلك صاحبه .
ولأننا نرغب في الحياة، بنهم، بل ونطلب الاستزادة منها، نحاول أن نطاوعهم /ن في ما أخبرونا به، وعلمونا إياه، حتى ننجح في أن نكون سادة على قلقنا الذي نهدهده ونحاصره كي لا يفلت منا زمام أمورنا، فنصبح على تقصيرنا نادمين .
لكننا ونحن نحاول عبثا ذلك، أي ونحن نحاول ولوج لعبتنا المقصودة لطي هذا القلق، ورميه في رف من رفوف حياتنا اليومية التي يعلوها على الدوام غبار النسيان، ننفضه عنها إن نحن غصنا في أعماقنا عن طريق نهج استبطان، أو كنا في لحظة تداع حر، يمارسه علينا محلل نفسي يحاول الغوص في لا شعورنا وعوالمه العميقة التي لا ننجح في اختراقها، رغم أنها تسلط علينا سعارها، فتسلب منا قدرتنا وحريتنا على الفعل، بل تحرمنا من توازننا الشخصي الضروري لنجاح علاقاتنا مع الأغيار، وحتى مع ذاتنا .
القلق كمفهوم فلسفي أخذ تحديدات مع كل من الفيلسوف الدانماركي كيركغارد 1813/1855 kierkegaard
الذي اعتبر القلق « حقيقة الحرية بأنها احتمال ممكن «، ذلك ما يشعر به الإنسان حين يعي وضعيته في العالم .
عالم مقرف وخسيس يجعل الذات تبحث عن حماية لها منه، فيأخذها ( دوار الحرية ) لأن عليها أن تختار، فهي لديها الإمكانية والحرية لفعل شيء ما (حتى أكثر الاحتمالات ترويعا مما يولد لديها الرهبة .
في حين نجد الفيلسوف الفرنسي سارتر يعتبر أن الشعور بالقلق يجعل الإنسان يعي بأنه حر يختار، ويتحمل مسؤولية اختياره .
القلق الذي يسكننا حد الاستيطان، هو متفاوت الطبيعة وبالتالي الخطورة، فقد يكون منبعا لإلهاماتنا، أو يؤذينا حد الفناء، حين تفشل الذات في مواجهة ما يلحقها من أتون عالم خارجي، يقذف بحممه، فيصيرها رمادا مهددا بالاندثار .
قلقنا الذي يكون متعلقا بمصيرنا الفردي وأيضا الجماعي: فتجدنا نفزع من كل آفة تجد علينا في وجودنا المشترك، خصوصا تلك التي لا نجد لها دفعا، أوبالأحرى تلك التي تتطلب منا جهدا يفوق ما يملكه الواحد منا من إرادة، يحملنا هذا إلى الشعور بالفشل، وبعدم القدرة على اتخاذ قرار كان يجب أخذه، والقيام بحركة في اتجاه إيقاف زحف ما كان علة أو سبب قلقنا ، لنتحول إلى أنوات غاضبة، لأنها تعيش تجربة اختيار تمارس من خلاله حريتها، لكنها تظل تراوح مكانها في تردد قاتل يحد من شعورها أنها فعلا تملك أمر ذاتها المحاصرة بالعوائق والإكراهات .
فكيف لا نغضب ونحن شاهدون على إبادة الإنسان بغير وجه حق، في استهتار كبير بقانون دولي لم يشفع للضحايا ولم يؤخر عنهم موعد المجازر المتلاحقة ؟
كيف لا نغضب ونحن لا نقوى على منح الحياة لمن انتزعت منهم غصبا على مرأى ومسمع العالم أجمع ؟
كيف لا نغضب ومنا من لا يملك حتى جرأة التضامن مع الضعفاء في هذا العالم ؟
كيف لا نغضب ونحن نورث الأجيال القادمة، ملفات ساخنة لا تجد طريقها إلى الحل ؟
كيف لا نغضب، وزرقة سمائنا شابها الشحوب من فرط انكسار الأرض أمام جهل الإنسان وجموحه القاتل باسم التقدم ؟
غضب عارم يجتاحنا، ومن كان شاهدا عليه، أو رافضا له، أو غير عابئ به، لا يملك أن يجعلنا نتراجع عنه أو نحد منه، كما لا يجوز له أن يسائلنا عن سبب غضبتنا هاته التي يصعب عليه التغاضي عنها أو محاولة نفيها .
خصوصا إذا كان غضبا يمس الجوهري فينا كإنسان، أي يمس حقوقنا الطبيعية والمدنية على السواء، أتعلق الأمر بنا أم بغيرنا، سواء كان على ملتنا أو لم يكن، أو يخص دائرة طبقتنا الاجتماعية، فئتنا المهنية، جنسنا، هويتنا الكونية… على اعتبار أن لنا انتماءات عديدة تثير فينا شعورا بضرورة الوفاء لهذا الانتماء، وتقتضي منا بالتالي الدفاع عنه ضد كل ما يهدده من طرف أعداء الإنسان والإنسانية، ممن يضربون عرض الحائط بكل هذا، ويحاولون أن يقطعوا حبلنا السري مع ما إليه ننتمي ، مسخرين في تغولهم هذا كل أدوات قتل الجانب المضيء لدينا نحن البشر، وأقصد العقل والتفكير السديد الرصين الذي بتحصينه وترويضه الجيد، يسمح للذوات أن تؤمن لها ولغيرها إمكانية العيش في عالم يطبعه الحوار بدل العنف، والمحبة بدل الحقد، والانفتاح الإيجابي بدل التعصب والانغلاق المميت، إذ بالعقل وحنكة التفكر، سيتمكن الواحد منا أن يغادر قلقه الوجودي وهو يساهم في بناء عالم يخلو من موت محقق لإنسانية الإنسان .

الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 09/07/2024

التعليقات مغلقة.