تتمة اللمحة التاريخية عن الأزمات الداخلية لحزب القوات الشعبية

محمد إنفي

 

 

هذه التتمة تتناول المرحلة الحالية للاتحاد الاشتراكي التي يقودها، بلا كلل ولا ملل، الأستاذ إدريس لشكر منذ المؤتمر الوطني التاسع (دجنبر 2012) إلى يومنا هذا، الذي يتهيأ فيه الحزب لعقد مؤتمره الوطني الثاني عشر أيام 17، 18، 19 أكتوبر 2025. وقد سبق مرحلة التحضير الأدبي والمادي لهذا الحدث ورافقه سيل من المؤتمرات الإقليمية التي غطت التراب الوطني من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ورغم طول المسافات بين الأقطاب الأربعة، فقد تجشم الكاتب الأول عناء السفر إلى أقصى الأقاليم لترؤس مؤتمراتها والتواصل مع ساكنتها. وخير دليل على هذا الأمر التغطيات الإعلامية للقنوات الرسمية (القناة الأولى والقناة الثانية) التي شاهدنا من خلالها الحشود الجماهيرية التي حضرت الجلسات الافتتاحية لأغلب المؤتمرات التي ترأسها الكاتب الأول.
الأستاذ إدريس لشكر تولى الكتابة الأولى خلال المؤتمر الوطني التاسع الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الحياة الحزبية بالمغرب، سواء من حيث الإبداع في أسلوب التحضير والتنظيم أو من حيث طريقة انتخاب الكاتب الأول. هذا الإبداع في التحضير والإنجاز، جعل من المؤتمر محطة ديمقراطية بامتياز. وقد تابع الرأي العام المغربي على شاشة القناة الثانية المغربية لقاء مباشرا غير مسبوق بين المرشحين الأربعة للكتابة الأولى، أداره الإعلامي “جامع كولحسن” (إن لم تخني الذاكرة) منشط برنامج “مباشرة معكم”. وخلال هذا اللقاء، بسط كل مرشح برنامجه الانتخابي أمام الرأي العام الوطني وليس فقط أمام الرأي العام الاتحادي.
ومن إبداعات التحضير للمؤتمر الوطني التاسع، اللجوء إلى دورين في انتخاب الكاتب الأول. في الدور الأول، تم ترتيب المرشحين الأربعة حسب الأصوات المحصل عليها لمعرفة من هما المرشحان الخارجان من السباق (دور إقصائي)، ومن هما المرشحان المتأهلان للدور الثاني (دور الحسم أو النهائي بلغة كرة القدم). في الدور الثاني، حصل الأستاذ إدريس لشكر على المرتبة الأولى متقدما بأصوات كثيرة على منافسه المرحوم أحمد الزيدي. ورغم الفوز العريض لإدريس لشكر، الذي أكسبه شرعية ديمقراطية لا غبار عليها، فإن رهطا من السياسيين والإعلاميين استلوا سيوفهم وصوبوا سهامهم صوب الكاتب الأول الجديد، ولم يُغمِدوها إلى اليوم بفعل الحقد والغل الذي يملأ قلوبهم ويحرق دمهم.
والمرحوم الزيدي ومن كان في صفه لم يرضوا بالهزيمة ولم يتعاملوا بروح رياضية مع النتيجة، فبدأت الاجتماعات هنا وهناك، وتمت محاولة تأسيس تيار داخل الحزب، ولما فشلوا في هذا المسعى، مروا إلى التفكير في تأسيس حزب جديد (اجتماع المحمدية كان لهذه الغاية)؛ وفشلوا في النهاية ولم ير مشروعهم النور، لكن النبش في خصوصيات الكاتب الأول والنهش في لحمه لم يتوقف منذ ذلك التاريخ.
ولا أعتقد أن أحدا من الكتاب الأولين السابقين قد تعرض لما تعرض له الأستاذ إدريس لشكر من تبخيس لعمله وتنمر على شخصه وقذف في أخلاقه وشرفه، لكنه أبان عن طاقة كبيرة في التحمل وصلابة نفسية نادرة جعلته صبورا أمام الضربات التي كانت تأتيه من داخل الحزب ومن خارجه، ولو لم يكن كذلك، لما صبر على الاتهامات الباطلة والافتراءات التضليلية والتهجمات العدوانية، ولكان قد استقال من الكتابة الأولى خلال ولايته الأولى.
نتمنى له موفور الصحة والعافية وطول العمر وندعو له بالصبر والقوة على تحمل الأعباء الثقيلة الملقاة على عاتقه في هذه المرحلة التي تتميز بالتحضير للانتخابات التشريعية المقبلة، في ظل موت السياسة مع حكومة التغول، التي أفرغت كل المؤسسات التمثيلية من محتواها وعطلت مهامها.

 

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 17/10/2025