تحول مواقف الأممية الاشتراكية تجاه الصحراء المغربية: من تقرير المصير إلى دعم وحدة الشعوب وسلامة أراضيها
مشيج القرقري
لطالما كانت قضية الصحراء المغربية من أبرز النزاعات الإقليمية التي أثرت على استقرار منطقة المغرب العربي لعقود طويلة. وقد لعبت الأممية الاشتراكية، التي تضم عدداً كبيراً من الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية من مختلف أنحاء العالم، دوراً محورياً في بلورة النقاشات المتعلقة بهذا الملف. ورغم أن مواقف الأممية الاشتراكية كانت تقليدياً تصب في دعم حق تقرير المصير كمبدأ كوني، إلا أن السنوات الماضية شهدت تحولاً ملحوظاً نحو تبني مقترحات أكثر واقعية مثل وحدة الشعوب وسلامة أراضيها من جهة، واقتناع عدد من أعضاء المنظمة بمبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب.
سنستعرض في هذا المقال كيف تطور موقف الأممية الاشتراكية تجاه هذا النزاع، وأهمية الدور الذي لعبه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تعزيز الموقف المغربي في المحافل الدولية.
1. المواقف التقليدية: دعم الاستفتاء وحق تقرير المصير (1995-2000)
في منتصف التسعينيات، كان موقف الأممية الاشتراكية يركز على دعم حق تقرير المصير، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية. كانت الأممية، في اجتماعاتها مثل اجتماع كيب تاون في 1995 وأوسلو في 1998، تؤكد على أهمية إجراء استفتاء لتحديد مصير الإقليم تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة (MINURSO). وقد شهدت تلك الفترة التزاماً بالنهج القائم على الحلول التقليدية التي تتضمن استفتاءً شفافاً وعادلاً.
2. العقد الأول من القرن الـ21: استمرارية النهج ودعوات لتوسيع الحوار (2000-2010)
استمر دعم الأممية للاقتراحات التقليدية، إلا أنها بدأت في دعوة الأطراف الأخرى للمشاركة في الحوارات لتوسيع دائرة النقاش وتوفير أرضية مشتركة للحل. وخلال هذه الفترة، لعب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دوراً هاماً وحاسماً في توضيح الموقف المغربي والمساهمة في نقل الصورة الحقيقية للأوضاع على الأرض، مركزاً على مشاريع التنمية والبنية التحتية في الأقاليم الجنوبية، والانتقال الديمقراطي، والتجربة المغربية في العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان.
3. زيارة 2015: نقطة تحول استراتيجية
تغير المشهد بشكل كبير في مايو 2015 عندما قام وفد من الأممية الاشتراكية بزيارة المنطقة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف. وقد سمحت هذه الزيارة للأممية بتقييم الوضع الراهن بشكل مباشر، وأسفرت عن تقرير دعا إلى تجنب التصعيد وزيادة الجهود لإيجاد حلول سلمية. وبرز هنا دور الاتحاد الاشتراكي في تقديم رؤية مغربية موثوقة حول التنمية والمشاريع الاقتصادية التي نفذها المغرب في الصحراء المغربية.
4. اجتماع برشلونة 2017: الانتصار لوحدة الشعوب وسلامة أراضيها
وفي عام 2017، بدأت تظهر بوادر تحول في موقف الأممية الاشتراكية خلال اجتماعها في برشلونة، حيث تم الانتصار لوحدة الشعوب وسلامة أراضيها، ولأول مرة لم يصدر أي بيان حول النزاع المفتعل. وقد استثمر الاتحاد الاشتراكي هذا الحدث لتعزيز موقفه، مستعرضاً أمام الحاضرين المكاسب التنموية التي حققتها الأقاليم الجنوبية، وعرض حقيقة الوضع في المخيمات وحالة المحتجزين بداخلها.
5. اجتماع مدريد 2022: تأكيد التحول
كان انعقاد المؤتمر الأخير للأممية الاشتراكية المنعقد بمدريد خلال الفترة ما بين 25-27 نونبر 2022، والذي حضره وفد الاتحاد الاشتراكي بقيادة كاتبه الأول إدريس لشكر، حدثاً بارزاً. حيث تم إسقاط ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية من التوصية المخصصة لأفريقيا والنزاعات فيها.
6. يونيو 2023: اجتماع لجنة إفريقيا للأممية الاشتراكية بالنيجر
أصبح النزاع المفتعل في الصحراء المغربية خارج أجندة المنظمة في القارة، حيث شهدت مواقف الأممية المزيد من التغيير نحو تأييد الحلول الواقعية، حيث بات مقترح الحكم الذاتي يُعتبر خياراً عملياً وفعالاً لتحقيق الاستقرار في المنطقة بالنسبة لعدد كبير من الأحزاب الاشتراكية في العالم. وأثنت على الدور الذي يلعبه المغرب في تحقيق الاستقرار ومحاربة التهديدات الأمنية مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
7. دور حزب الاتحاد الاشتراكي: تعزيز الثقة وإرساء التحولات
لعب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دوراً بارزاً في هذا التحول من خلال حضوره القوي في اجتماعات الأممية الاشتراكية ونشاطه الدبلوماسي الواسع. وقد ساهم الحزب في تنظيم زيارات ميدانية لعدد من ممثلي الأحزاب الاشتراكية إلى الأقاليم الجنوبية، حيث تمكنوا من رؤية التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي تحقق بفضل الاستثمارات المغربية. كما أتاح ذلك للحزب فرصة إقامة حوارات معمقة مع قادة الأحزاب المؤثرة، مما عزز فهمهم للواقع الميداني.
كانت وفود الاتحاد الاشتراكي، وكاتبه الأول إدريس لشكر، تحرص خلال مداخلاتها في اجتماعات الأممية على التعبير عن الجهود المكثفة التي بذلها الاتحاد الاشتراكي في إقناع الأطراف الدولية بتبني رؤية أكثر واقعية ومرونة تجاه النزاع. كما دعا الحزب بشكل مستمر إلى النظر إلى الحلول التي تأخذ في الحسبان السياق الجيوسياسي المعقد للمنطقة، والتحديات الأمنية التي تؤثر على شمال إفريقيا وأوروبا.
رؤية جديدة
لمستقبل النزاع
إن التحولات في مواقف الأممية الاشتراكية تجاه قضية الصحراء المغربية تُظهر قدرة المغرب على تغيير المعادلات الدولية من خلال الدبلوماسية الفعالة (الرسمية والحزبية) وإنجاز المشاريع التنموية التي تخلق واقعاً جديداً على الأرض. ويعد دور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حاسماً في هذا السياق، حيث نجح في نقل صورة واضحة وحقيقية للواقع التنموي في الأقاليم الجنوبية الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، ودعم موقف المغرب في الساحة الدولية.
إن التزام الأممية الاشتراكية اليوم بالحلول الواقعية، يشكل خطوة مهمة نحو حل مستدام يضمن حقوق المغرب ويعزز الاستقرار في المنطقة. ويبدو أن دعم مثل هذه الحلول سيساهم في خلق بيئة سياسية أكثر توازناً ويفتح آفاقاً جديدة أمام حل النزاع بشكل نهائي.
المغرب والاتحاد الاشتراكي يستضيفان اجتماعات الأممية الاشتراكية
يستعد حزب الاتحاد الاشتراكي، وتتويجاً لمسار وطني كبير، وبإشراف مباشر من كاتبه الأول، لإتمام الترتيبات لاحتضان الحزب في أواسط شهر دجنبر لاجتماعات الأممية الاشتراكية التي ستعقد بقرار من مجلس الرئاسة المنعقد في نيويورك على هامش الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة. وسينعقد اجتماع اللجنة الإفريقية للأممية الاشتراكية يومي 17 و18 دجنبر 2024، بالإضافة لاجتماع مجلس الأممية الاشتراكية للنساء يومي 17 و18 دجنبر 2024، واجتماع مجلس الأممية الاشتراكية، أيام 20 و21 و22 دجنبر 2024.
تُعكس هذه الاجتماعات قوة النموذج المغربي والأدوار الحاسمة التي يقوم بها الاتحاد للمفاهمة في تنزيل تصور جلالة الملك.
الكاتب : مشيج القرقري - بتاريخ : 06/11/2024