ترتيب السلام بالشرق الأوسط في غياب أمريكا
باريس يوسف لهلالي
مرت عشرون سنة على الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، بعد هذا السقوط عرفت منطقة الشرق الأوسط تغيرات عدة ومعطيات جيوسياسية برعاية أكبر قوة عسكرية وسياسية بالعالم.
لقد كانت أمريكا تعتبر أن نظام البعث بالعراق أصبح يشكل خطرا على مصالحها البيترولية بالمنطقة خاصة بعد احتلاله للكويت. وبعد سقوط بغداد، أصبحت سياسة واشنطن في الشرق الأوسط في صالح إيران الشيعية التي أتيحت لها فرصة محاصرة بلدان الخليج العربي تقريبا من خلال تقوية نفوذها في العراق، سوريا، لبنان، واليمن، في الوقت الذي اختارت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة دولية جديدة من أجل مغادرة المنطقة نحو آسيا، بهدف إحكام الطوق على منافستها الصين الشعبية، وبعد أن أصبحت آسيا مصدر الثروة والتطور في العالم، كما أن دور منطقة الشرق الأوسط تراجع منذ أن باتت أمريكا مصدرا للبترول هي الأخرى، بالمقابل أعطت الصين أهمية قصوى للمنطقة التي تزودها بالثلثين من حاجياتها البترولية، وكان لها دور كبير في التقارب السعودي الإيراني في غياب واشنطن، التي كعادتها خلطت أوراق المنطقة وتوازناتها وراحت تركض وراء مصالحها الجديدة.
الأجندة الأمريكية بالمنطقة لم يتبق فيها سوى سياسة إدماج إسرائيل في المحيط العربي، وإذا كان ذلك يتعارض أحيانا مع مصالحها، فانه أمر ضروري لكل إدارة أمريكية ومرتبط بسياستها الداخلية أكثر من ارتباطه بمصالحها الخارجية، لكن سيطرة اليمين المتطرف الديني بإسرائيل على الواجهة السياسية من شأنه قلب الوضع الأمني بالمنطقة، وعزل إسرائيل من جديد.
اليوم، وبعد سقوط بغداد، فإن سياسة الحصار الاقتصادي والسياسي الأمريكية لم تنل من قوة ايران، بل أعطتها مناعة وتمدد نفودها نحو العراق الذي كان سدا إيديولوجيا في وجهها وتقوى نفوذها في سوريا ولبنان واليمن. هذا التوجه الأمريكي، والنتائج العكسية لسياستها في المنطقة العربية كان له انعكاس سيء على بلدان الخليج العربي، التي وجدت نفسها مقحمة في سياسة أمريكية لا تراعي مصالحها، وتابعة لتضارب مصالح الإدارات الأمريكية التي تقلبت سياستها بالمنطقة بين إدارة بوش إلى أوباما، وترامب بعده، تم جون بايدن اليوم. ووجدت بعض بلدان الخليج نفسها، خاصة السعودية والإمارات، دون حماية لمجالها الجوي أمام التمدد إلايراني وحلفائه الحوثيين، واستعمال الطائرات بدون طيار، وامتناع الإدارة الأمريكية عن توفير وسائل الدفاع الجوي لحماية المناطق الحيوية بهذه البلدان، ورفض بيع واشنطن لطائرات الايف35 للإمارات، ورفض إدارة ترامب سنة 2019 الرد على إيران والحوثيين بعد مهاجمتهم للمنشأة النفطية السعودية.
طبعا، استنتجت بلدان المنطقة دروسا كثيرة من سياسة الاعتماد الكلي على الحليف الأمريكي، وارتأت ضرورة الدخول في سياسة جديدة وهي تنويع الشركاء في جميع المجالات بما فيها الأمنية، بل تقليد السياسة الخارجية الأمريكية، «مصالحنا أولا»، وهو ما بدأته تركيا التي دخلت في مواجهة مع عدة إدارات أمريكية رغم أنها بلد حليف وعضو بالحلف الأطلسي. هذه السياسة الجديدة للسعودية بالمنطقة بدأت من خلال عدم الخضوع لطلب أمريكا ورئيسها جون بايدن لرفع إنتاج البترول، واختارت الالتزام بقرارات «الأوبيك» بعد الأزمة التي سببتها الحرب الروسية الأكرانية في سوق الطاقة بصفة عامة. هذه البداية تبعتها مبادرات أخرى، كان أهمها فتح باب الحوار مع إيران رغم العداوة الطويلة، وذلك بوساطة صينية، وهو تقارب من شأنه أن يقلب الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد التصالح بين أكبر بلد عربي خليجي سني مجاور لإيران الفارسية الشيعية، وهو ما سيكون له تأثير على الوضع باليمن، ولبنان وسوريا والعراق، ومن شأنه خفض نسبة التوتر بالمنطقة وإضعاف موقف أمريكا وسياستها وكذا حليفتها إسرائيل التي راهنت على سياسة عدوانية تضم إليها البلدان العربية بالمنطقة.
إسرائيل وحكومتها الدينية المتطرفة هي أول خاسر من هذا التقارب، وقرار البلدين تبادل السفراء واستئناف العلاقات التجارية المجمدة مند 2016، هو تحول كبير بالمنطقة بعيدا عن واشنطن. فهل بمقدور إسرائيل اليوم الاستمرار في سياسة المواجهة مع طهران بعد انسحاب العرب، وغياب دعم أمريكي؟
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 05/04/2023