تغول الفساد في المغرب

عائشة زكري

نعم يمكن القول، وبكل تأكيد، بأن الفساد في بلادنا قد تغول، بمعنى أنه غزا جميع الميادين: السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية وغيرها، فأصبح ظاهرة يمكن أن نصفها بالعادية، بل أصبح هو القاعدة، بينما غدا الصواب والحقيقة والاستقامة استثناءات يسلكها المغفلون .
والدليل على ذلك عدد التوقيفات والمحاكمات التي طالت بعض المسؤولين الكبار في البلاد، وبعض ذوي النفوذ السياسي والاقتصادي والعلمي أيضا .
أما مظاهر الفساد فهي كثيرة ومتنوعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
-الرشوة، اقتصاد الريع، اختلاس أموال الدولة، التزوير، استغلال النفوذ، التهريب الضريبي، الاحتكار وارتفاع الأسعار بشكل مهول ، توظيف المنصب العام لخدمة المصالح الشخصية، شراء أصوات الناخبين، المحسوبية والزبونية في التوظيف، التمييز في الحصول على الخدمات (في الصحة والتعليم مثلا )، انتشار الاقتصاد غير المهيكل، استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية ….وغير ذلك من السلوكات التي أصبحت منتشرة بشكل كبير، ويعرفها الخاص والعام .
لكن ما هي الأسباب الحقيقية وراء كل ذلك ؟
إنها أيضا أسباب كثيرة ومتنوعة يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي.
-بالنسبة للسياسي :
-أهم سبب هو تداخل السلطة والمال الشيء الذي يسمح بتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة.
– ضعف آليات الرقابة والمحاسبة داخل المؤسسات الحكومية مثل التفتيش والمراقبة الإدارية التي تقوم بها عادة المفتشيات العامة داخل الوزارات .
-عدم قيام البرلمان بدوره الأساسي في الرقابة على الحكومة نظرا لتركيبته المكونة من الأغلبية الحكومية .
-عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل جدي .
– الأسباب الاقتصادية :
-انتشار اقتصاد الريع وتمركزه في يد فئة محدودة تحتكره بواسطة آليات مموهة تعمل على إخفائه كسلوك غير مشبوه وغير قانوني .
-غياب العدالة في توزيع الثروة، وضعف الولوج للفرص الاقتصادية بالنسبة للطبقات الدنيا داخل الطبقة الوسطى .
– الأسباب الاجتماعية:
– يمكن تلخيصها في التطبيع مع الفساد، أي أن الفساد أصبح ظاهرة طبيعية مقبولة في الحياة اليومية. ومن يتكلم عن الأخلاق والضمير والنزاهة يتعرض للازدراء بل للاحتقار أحيانا وبالتالي للتهميش وعدم تحقيق مطالبه المشروعة .
-لكن كيف وصل المجتمع إلى هذه الوضعية ؟
ولماذا تفاقم الوضع في ظل الحكومة الحالية ؟
– الملاحظة الأساسية :
أن الحكومة الحالية هي حكومة يمينية ذات تحالف ليبرالي يضم التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال .
ومن الناحية الاقتصادية هي تنتهج منهجية اقتصاد السوق، بمعنى أنها ذات توجه رأسمالي على الرغم من توجهها نحو ما سمي بـ ( الدولة الاجتماعية ) والذي هو برنامج فرض عليها من طرف المؤسسة الملكية، لأنه لا يدخل في إطار تصورها السياسي والاقتصادي، ولذلك لم تنجح في تطبيقه ولا في تهيئ الإطار العام الفكري والثقافي المناسب له، ولذلك عرف هذا المشروع توترا وتعثرا كبيرين في عملية التنزيل .
– هذا، وعلى الرغم من كونها حكومة ذات كفاءات علمية مهمة، لكن المشكل الكبير أنه ينقصها التكوين السياسي الجيد، بل حتى انتماء وزرائها السياسي للأحزاب، التي ألحقوا بها، جاء في ليلة تعيينهم كوزراء، مما يوضح “اللخبطة” والغموض في عملهم السياسي .

إن تسيير المجتمع لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتم بشكل آلي‮ ‬ميكانيكي،‮ ‬والأزمات الاجتماعية والاقتصادية تحتاج،‮ ‬من أجل علاجها علاجا ناجحا،‮ ‬إلى نظرة عميقة سياسيا تمكن من فهم حاجيات المواطنين ومتطلباتهم الآنية والضرورية،‮ ‬من مأكل ومشرب وسكن وعلاج وتعليم وحماية من المخاطر‮ … ‬وغيرها من لوازم العيش الكريم‮ .‬
وبطبيعة الحال التوجه الرأسمالي‮ ‬يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج‮ ( ‬الأرض،‮ ‬الشركات،‮ ‬الآلات،‮ ‬التقنيات،‮ ‬المعرفة العلمية‮ ….)‬،‮ ‬ومن جهة أخرى‮ ‬يؤمن بالسوق الحرة بحيث‮ ‬يتم تحديد الأسعار حسب العرض والطلب،‮ ‬والهدف الأساسي‮ ‬هو تحقيق‮ ‬الربح‮ .‬
‮ ‬ومعنى ذلك أن الربح هو المتحكم الأساسي‮ ‬في‮ ‬الاقتصاد،‮ ‬ربح المالك لوسائل الإنتاج أي‮ ‬الرأسمالي‮ ‬نفسه،‮ ‬بعيدا عن صيانة كرامة الآخر أي‮ ‬الإنسان‮ ‬غير المالك‮. ‬إذن لا احترام لكرامة الإنسان،‮ ‬لا مراعاة لمطالبه الأساسية من أجل العيش الكريم‮ .‬
‮ ‬ومعنى هذا كله انهيار القيم الإنسانية النبيلة نظرا لطغيان المادة‮ ( ‬الربح‮)‬،‮ ‬وهذا هو السبب الرئيسي‮ ‬الذي‮ ‬أدى إلى انتشار الفساد وتحويله إلى ظاهرة طبيعية‮ .‬
‮ ‬هكذا،‮ ‬إن المنهجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية للحكومة الحالية هي‮ ‬التي‮ ‬أدت إلى شرعنة الفساد وانتشاره،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن إصلاح الوضع إلا بزوالها والقضاء على أفكارها التمييزية،‮ ‬وهذا ما نأمل في‮ ‬تحقيقه بعد الانتخابات المقبلة‮ .‬

الكاتب : عائشة زكري - بتاريخ : 18/08/2025