تلاشي حظوظ اليسار الفرنسي في الحكم

باريس: يوسف لهلالي

مع نهاية انتخاب الرئاسة ومختلف اللجن المكونة للبرلمان، هل انتهت حظوظ اليسار الفرنسي في العودة إلى حكم فرنسا بشكل نهائي؟ وهو الحكم الذي غادره بعد خسارته للرئاسة والأغلبية التشريعية في انتخابات 2016، التي أتاحت لرئيس وأغلبية من خارج الأحزاب الكلاسيكية حكم فرنسا في حقبة دستور الجمهورية الخامسة.
ويمكن القول إن الانتخابات التشريعية المبكرة التي نظمت مباشرة بعد الانتخابات الأوروبية التي انهزم فيها المعسكر الرئاسي لإيمانويل ماكرون، وتقدم فيها، بشكل كبير، اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبين، وهي الانتخابات التي دعا لها الرئيس بعد حله للجمعية الوطنية، لم تخرج باريس من أزمتها السياسية، بل زادت الوضع السياسي غموضا وتعقيدا، وذلك من خلال فرز ثلاث كتل لا تتوفر على أغلبية لحكم فرنسا، حيث فازت الجبهة الشعبية الجديدة، ائتلاف الأحزاب اليسارية، بأكبر عدد من المقاعد، يليها المعسكر الرئاسي من يمين الوسط، ثم التجمع الوطني اليميني المتطرف مع حلفائه.
وتمكنت يائيل برون بيفيه، وهي من أتباع الرئيس إيمانويل ماكرون من الحصول، مجددا، على مقعد رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، في تطور لم يكن منتظرا بعد تحالف مع نواب من حزب الجمهوريين، وهو ما يؤشر على أن احتمالات وصول اليسار إلى السلطة التنفيذية تتلاشى بل تبتعد في ظل الظروف السياسية الحالية بفرنسا.
قادة اليسار انتقدوا، بقوة، هذا التحالف الذي اعتبروه سرقة لانتصارهم وتقدمهم في الجمعية الوطنية، وكانت رئيسة كتلة نواب اليسار لحزب» فرنسا الأبية « ماتيلد بانو، قد قالت منددة في تعليق على هذا التحالف بـأنه»انقلاب مناهض للديموقراطية»، لكون معسكرها فاز بأكبر عدد من النواب في الانتخابات التشريعية المبكرة التي نظم دورها الثاني في 7 يوليوز الماضي.
طبعا، هذه التحالفات داخل الجمعية الوطنية زادت من غموض المشهد السياسي، تكتل الرئيس يسترجع رئاسة البرلمان رغم أنه هو القوة الثانية بالمجلس وليس الأولى، تحالف اليسار تمكن من ترؤس عدد كبير من اللجن بفضل أصوات اليمين المتطرف الذي قصد من وراء سلوكه السياسي هذا والتصويت لخصومه، خلط الأوراق بالجمعية الوطنية. هذا اليمين المتطرف الذي لم يحصل على رئاسة أي لجنة كما ينص على ذلك تنظيم البرلمان، وزعيمته خرجت لتندد بالتفاهمات بين الأحزاب الكلاسيكية والمعسكر الرئاسي ضدا على اختيار الفرنسيين، كما قالت في تصريحاتها للصحافة، وهو اختيار إرادي من هذا الحزب بهدف عدم تحمل المسؤوليات حسب المتتبعين، لأن مارين لوبين تريد الحكم كاملا مع أغلبية برلمانية، وهو ما تستعد له في انتظار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2027.
والجبهة الشعبية الجديدة هي تحالف يضم أحزابا اشتراكية وشيوعية وبيئية وحزب «فرنسا الأبية»، تم تشكيله قبيل الانتخابات التشريعية للتصدي لفوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، وتمكن من الحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، لكن التحالف يواجه انقسامات منذ أسبوعين، مما أثار استياء عارما في صفوف مؤيديه.
ورغم إلحاح التحالف على أنه صاحب الأحقية بالوصول إلى السلطة، لكن الخلافات الكبيرة، خاصة بين «الحزب الاشتراكي» و»فرنسا الأبية»، جعلته عاجزا عن الاتفاق حتى على هوية رئيس وزراء محتمل …
ويبدو أن التحالف بين معسكر ماكرون واليمين لرئاسة الجمعية يشير إلى أن فرص وصول اليسار إلى السلطة تتلاشى، ونجح التحالف الرئاسي في تشكيل تحالف بين نواب يمين الوسط المؤيدين للرئيس الفرنسي واليمين المحافظ الذي سحب مرشحه من أجل إنجاح هذه العملية.
وأعلن قصر الإليزيه، في بيان، أن الحكومة ستتولى «تصريف الأعمال»، وستكون لها صلاحيات سياسية محدودة لبضعة أسابيع إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يجعل الضبابية تستمر في المشهد السياسي.
غموض المشهد السياسي وعدم استقراره، سوف يكون له انعكاسات سلبية على أداء فرنسا في الداخل والخارج، فعلى المستوى الداخلي، وفي غياب أغلبية واضحة لأي تكتل، سيصعب عليها القيام بأي إصلاح مهم في جميع المجالات، كما أن عدم الاستقرار السياسي سيكون له تأثير سلبي على الأسواق المالية وثقة المستثمرين في الوضع الفرنسي الحالي، بالإضافة لعلاقة الثقة بين فرنسا وشركائها الكلاسيكيين سواء في الاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي، دون الحديث عن باقي العالم وإفريقيا على الخصوص، حيث فقدت فرنسا في عهد ماكرون ثقة العديد من بلدان المنطقة سواء في الساحل أو المغرب العربي، وهو ما سيزيد العلاقة مع هذه البلدان تعقيدا كما سيزيد من غموض السياسة الخارجية لفرنسا وتوجهها نحو المجهول بفعل غياب الاستقرار في المؤسسات السياسية !

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 24/07/2024

التعليقات مغلقة.