تونس…مقدمات لتجاوز الأزمة

نوفل البعمري

جميعنا كان لنا رد فعل سلبي تجاه استقبال الرئيس قيس السعيد لـ»بن بطوش» بالمطار التونسي، وهو رد فعل أدى إلى اتخاذ موقف سحب سفير المغرب، وبالتالي دخول العلاقة بين البلدين في أزمة دبلوماسية وسياسية معلنة، وهي الأزمة التي اعتُبرت قوساً فتح في تاريخ العلاقة بين البلدين، علاقة التي ظلت منذ الرئيس لحبيب بورقيبة تعيش تطورات كبيرة ساهمت في تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية ثم السياسية بين قيادات البلدين وشعبيهما، مما جعل القوس الحالي الذي فُتح بسبب ما حصل يحتاج للتفكير ولخطوات شجاعة لإغلاقه والعودة إلى نفس الأواصر التي جمعت البلدين تاريخياً، خاصة وأنها لم تنقطع على المستوى الشعبي والمدني.
مناسبة هذا الحديث هو زيارتي لتونس، الأسبوع الماضي، في إطار نشاط حقوقي كان فرصة للاحتكاك مع الشعب التونسي والعديد من الأصدقاء، جلهم عبروا عن تقاسمهم معنا فرحة المونديال وألم الزلزال، ولن تشعر أو تجد أي انعكاس على المستوى الشعبي للأزمة الدبلوماسية الحالية، بل تشعر أن الجميع يرغب في تجاوزها لتعود إلى سابق عهدها خاصة وأن تونس حاليا تحتاج لدعم اقتصادها السياحي، وقد تُسهم عودة العلاقة الدبلوماسية في إنعاش النشاط السياحي بين البلدين مما قد يشكل دعماً للاقتصاد التونسي وللعاملين في قطاع السياحة بتونس.
وما يمكن أنه يعطي انطباعا أن هناك رغبة تونسية رسمية وجادة لتجاوز الأزمة حدثان:
الأول، مرتبط بالزلزال، فقد كانت تونس، دولة وشعباً، من الدول التي أعلنت عن دعمها للمغرب بشكل صادق، الشعب التونسي تألم لألم المغاربة، والمسؤولون التونسيون شعروا بحجم الكارثة وبادروا إلى إعلان دعم المغرب، وقد تقاسم المغاربة فيديو لمسؤول تونسي وهو يوجّه خطابه لفريق الإنقاذ المدني التونسي فيه الكثير من الدعم والمساندة الصادقتين للمغرب وللمغاربة، ورغم اختيار المغرب عدم استقبال المساعدات إلا وفق ما يلائم احتياجاته الداخلية فالدولة والإعلام التونسي، بكل أطيافه، لم ينساقا، كما فعلت بعض الدول، وراء حملات إعلامية مسعورة ضد المغرب، أواستغلا الموقف المغربي لتعميق الأزمة أولصب الزيت على النار، بل تم احترام المغرب وإرادته الداخلية وظل الإعلام التونسي مواكباً بمهنية كبيرة عملية الإنقاذ بخلفية ليست فقط صحفية بل إنسانية كبيرة، تُحسب له وللدولة التونسية وللشعب التونسي.
خطاب تونس بالجمعية العامة للأمم المتحدة كان لافتاً، خاصة وأن العديد من المهتمين بملف الصحراء وبالعلاقة المغربية التونسية ينتظرونه خصوصا مع الحملة الدعائية والحشد الذي قام به النظام الجزائري بالأمم المتحدة لمساندة أطروحته، التي تعتبر انقلاباً على مسار التسوية السياسية الأممي، فالخطاب التونسي أظهر نوعا من التحول الذي قد يؤدي لعودة تونس إلى تبني نفس المواقف السابقة من ملف الصحراء، فالدبلوماسي التونسي عند حديثه عن الأزمات بإفريقيا لم يأت على ذكر ملف الصحراء، ولم يقدم أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد قد يُفهم منها أن لهم موقفا سلبيا من الحل السياسي أو بالأصح مساندا للأطروحة الجزائرية، فخطابه كان محايداً وبعيداً عن تناول هذا الملف أو التلميح له، ورغم تطرقه لمختلف الأزمات التي تعيشها القارة فقد استثنى ملف الصحراء في كلمته، وهو اختيار لا يمكن أن يكون اعتباطياً من وجهة نظر العلاقات الدولية والإقليمية، خاصة وأنه تناول كل القضايا والأزمات التي تشهدها المنطقة إفريقيا وعربيا، ودون الإشارة إلى ملف يعني المغرب، وكان السبب في الأزمة الحالية، وفي حالتنا هاته يتعلق الأمر برسالة تونسية سياسية تعكس رغبة في تجاوز الأزمة، أو على الأقل في عدم زيادة حجم التوتر بين البلدين، وهي الرسالة التي يجب التقاطها والتعامل معها بما يجب من السرعة والفعالية.
المغرب ليس من مصلحته خسارة تونس كبلد إفريقي، عربي ومتوسطي وفي شمال إفريقيا، كما أن تونس ليس في مصلحتها أن تخسر بلدا من حجم المغرب، أصبح له دوره الإقليمي الكبير، على الأقل على الصعيد الرسمي، مادام أن العلاقات بين الشعبين ظلت بنفس الود والحب والتقدير، وفي انتظار تجاوز الأزمة سيكون مفيداً أن يستمر تبادل الزيارات بين الشعبين والبلدين على الصعيد المدني والجمعوي والإعلامي والثقافي لأنها مقدمات أساسية لمساعدة الدول على تجاوز الأزمات والمطبات التي قد تعترض علاقتها.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 02/10/2023

التعليقات مغلقة.