جلالة الملك محمد السادس «الفرق بين العالم الحقيقى والشرعي المغربي والعالم المتجمد» : مسارات الديبلوماسية المغربية لحسم ملف الصحراء المغربية (2)
مشيج القرقري
ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء «لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته».
هذا الخطاب استكمل من خلاله جلالة الملك، خارطة الطريق التي بدأها في افتتاح السنة التشريعية، بالدعوة إلى المرور إلى مرحلة التغيير بدل التدبير.
خطاب المسيرة الخضراء، هو من أجل الحسم الشامل للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وإخراج قرارين حاسمين على الصعيدين القاري والدولي لتصحيح المسار الخاطئ للملف الذي عمر طويلا.
كما كتبت في الجزء الأول، البداية بطرد الجبهة الانفصالية من الاتحاد الإفريقي، والقرار الثاني هو السحب النهائي لملف الصحراء المغربية من ردهات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة:
1. ماهية اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة:
تعرف اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة أيضاً بلجنة السياسة الخاصة وإنهاء الاستعمار، وهي إحدى اللجان الست الرئيسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتختص بمعالجة مجموعة واسعة من القضايا السياسية، بما في ذلك موضوعات تتعلق بإنهاء الاستعمار وحقوق الشعوب غير المستقلة في تقرير مصيرها، فضلا عن القضايا المرتبطة باللاجئين، وحقوق الإنسان وعمليات حفظ السلام في العالم.
لكن السؤال الأساسي بالنسبة للمغرب، هو هل تنطبق الأهداف والأدوار المنوطة باللجنة الرابعة الأممية على النزاع المفتعل في الصحراء المغربية منذ قرابة نصف قرن؟
أحد أهم الأدوار التي حددتها المنظومة الدولية للجنة الرابعة هي إنهاء الاستعمار، والذي يعرفه القانون الدولي على أنه ممارسة أو نظام تقوم بموجبه دولة أو قوة بالسيطرة على إقليم أو شعب خارج حدودها، و استغلال موارده وثرواته الاقتصادية، وفرض سيطرتها السياسية والثقافية والاجتماعية عليه.
كما يمكن أن يتضمن الاستعمار استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها إلى جانب فرض سياسات قمعية تهدف إلى السيطرة على السكان المحليين وإخضاعهم.
والحال، هو أننا أمام ملف تصفية الاستعمار، انتهى ضمنيا بعد خروج المستعمر الإسباني سنة 1975، ويحتفل المغاربة بالذكرى 49 للمسيرة الخضراء، وهي اللحظة التي قرر فيها المغاربة ملكا و شعبا انتزاع أحد حقوقهم بطريقة سلمية، والتي تحترم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والآن وقد تمت دسترة عدد من الحقوق والحريات خصوصا بعد المصادقة
على دستور 2011، وما حمله من الرقي بعدد منها لمراتب دستورية عليا…
الآن تعيش الصحراء المغربية كباقي جهات المملكة نفسا تشاركيا في تدبير شؤونها، وبعد أن تمت اللغة الحسانية كإحدى الروافد الوطنية، وإحداث اللجان الجهوية لحقوق الإنسان وتطوير البنية التحتية كميناء الداخلة أو الطريق السيار تيزنيت/ الداخلة .. وكذا تطوير المنظومة الصحية بافتتاح كلية الطب والصيدلة والمستشفى الجامعي …
2. كيف تطرح الملفات داخل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة:
يجب أن تمر العملية بعدة خطوات رسمية تشمل تقديم مقترح بشأن القضية المعنية من قبل الدول الأعضاء أو الكتل الإقليمية.
وهذه هي الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها:
ا- إدراج القضية/ الموضوع على جدول أعمال اللجنة.
ب- إعداد الوثائق والمستندات الداعمة للمقترح.
ج- بدء المداولات والنقاشات والإدلاء بالشهادات.
د- اقتراح القرارات والتوصيات.
و- عملية التصويت ( أغلبية أصوات الدول الحاضرة)
ي- إصدار التوصيات أو القرارات.
هذا النظام يضمن أن يكون لكل دولة فرصة للتعبير عن مواقفها وتقديم آرائها حول القضايا السياسية الحساسة أوالمسائل المتعلقة بإنهاء الاستعمار التي تندرج ضمن اختصاص اللجنة الرابعة.
3/ كيف يمكن سحب ملف ما من ردهات اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة:
قانونيا لا توجد مسطرة مكتوبة ومحددة لسحب ملف متعلق بنزاع معين من اللجنة، ولكن هناك عدة طرق غير رسمية قد تؤدي إلى السحب النهائي.
أ. التسوية السياسية:
إذا تم التوصل إلى تسوية سلمية أو اتفاق سياسي بين الأطراف المعنية بالقضية، يمكن أن يتفق المجتمع الدولي على سحب ملف ما من اللجنة…
إذا تم حل النزاع حول إقليم معين عبر المفاوضات أو تنفيذ قرار صادر عن مجلس الأمن، فقد يصبح الملف غير ذي صلة باللجنة المعنية.
في حالة النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وفي غياب إرادة سياسية للتفاوض وتعنت الجزائر وإصرارها على الاستمرار في الصراع، وبعد المؤشرات الإيجابية جدا التي عبر عنها أغلبية أعضاء مجلس الأمن، يمكن في القريب المنظور أن يلجأ المغرب، خصوصا بعد الموقف غير المفهوم للجزائر بانسحابها من جلسة التصويت، أن يطلب سحب الملف من التداول ولم لا اللجوء إلى مسطرة التصويت داخل المجلس، بدعم صريح من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القلم، وفرنسا المستعمر السابق و استمرار الموقفين الروسي والصيني على حالهما.
ب. قرار الدول الأعضاء:
في بعض الحالات، قد تتفق الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو عبر مناقشات في لجنة معينة، على أن ملفا ما لم يعد يتطلب المناقشة ضمن هذا الإطار، ويمكن تحويله إلى هيئة أخرى أو سحبه من جدول أعمال اللجنة.
وكون أكثر من مائة دولة تؤيد المقترح المغربي باعتبار الحكم الذاتي هو الحل الوحيد الأنسب والواقعي للنزاع المفتعل، بمن فيهم دول دائمة العضوية بمجلس الأمن كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة ومن جهة أخرى الدعم الصريح للقوتين الاستعماريتين السابقتين ( إسبانيا وفرنسا) للمغرب، ومع شبه إجماع للدول العربية والإسلامية وثلثي الدول الإفريقية…….
بعد هذا الدعم الكبير للمغرب، سياسيا ودبلوماسيًا، فمن المؤكد أن الدعوة لإخراج ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية سيلقى تأييدا كافيا لاتخاذ القرار التاريخي، والذي يعيد الحق إلى أصحابه.
ج. الضغط الدبلوماسي والموافقة على تصفية الملف:
الديبلوماسية المغربية بكل مكوناتها ( الرسمية، الحزبية والبرلمانية)، مطالبة اليوم بتفعيل الاستراتيجية الملكية، المستوحاة من خطب جلالة الملك.
أولا، تفعيل مبدأ الانتقال من التدبير إلى التغيير في المواقف، ثم إن على المنتظم الدولي أن يعرف الفرق بين العالم الحقيقي والشرعي المغربي، والذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته.
كما يجب استكشاف كل الطرق والسيناريوهات التي تهدف لإخراج الملف من اللجنة الرابعة وطيه، قبل الوصول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلانه ملفا مقفلا، من أجل التوجه نحو بناء مغرب المستقبل.
الكاتب : مشيج القرقري - بتاريخ : 09/11/2024