جلالة الملك محمد السادس: من التدبير إلى التغيير مسارات الدبلوماسية المغربية لحسم ملف الصحراء المغربية
مشيج القرقري
“لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف. ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية “.
(من خطاب جلالة الملك محمد السادس خلال إفتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي 2024)
بعد أكثر من عقدين من الفعل الإيجابي والتدبير الرصين، وفي ظل التطورات الأخيرة المتعلقة بالنزاع حول الصحراء المغربية، يعتبرالحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاق الصيد البحري والمنتجات الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي محاولة أخيرة يائسة من طرف الجبهة الانفصالية ومن يدور في فلكها لوقف مسار الانحدار الذي وصلت له القضية المفترى عليها، باستعمال أدوات الحرب القانونية لأهداف سياسية… وإلى جانب مخرجات اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة التي أكدت دعمها للعملية السياسية الأممية وإقبار خيار الاستفتاء نهائيًا، هي إذن نقاط تحول رئيسية في هذا النزاع الذي يعد من أكثر القضايا الإقليمية تعقيدًا في أفريقيا، والآن جلالة الملك محمد السادس يبشر المغاربة بقرب الحسم النهائي وتغيير مسار ملف قضيتنا الوطنية الأولى.
منذ البداية، تداخلت العوامل التاريخية والسياسية والقانونية في هذا النزاع، حيث حاولت أطراف خارجية السطو على حق تاريخي للمغرب في هذه المنطقة.
حيث استُخدم النزاع كورقة ضاغطة في الحرب الباردة، وكان من أخطر التطورات في الملف، هي قبول عضوية جبهة البوليساريو في منظمة الوحدة الأفريقية. وهو القرار الذي أثار جدلاً قانونيًا وسياسيًا مستمرًا منذ عقود. لكن مع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي عام 2017، بدأ في إعادة ترتيب أوراقه دبلوماسيًا لتصحيح هذا “الخطأ التاريخي.”
وفي هذا السياق، تبرز خارطة طريق التغيير الشامل للنزاع المفتعل، تتضمن العمل على إخراج قرارين حاسمين على الصعيدين القاري و الأممي لتصحيح هذا المسار الخاطئ:
1. طرد الجبهة الانفصالية من الاتحاد الأفريقي.
2. السحب النهائي لملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة.
سنتناول في هذا المقال خارطة الطريق نحو تفعيل القرار الأول، على أن نعود في مقال لاحق للتفصيل حول القرار الثاني.
لكن ما هي ارتدادات قبول جبهة البوليساريو الانفصالية كعضو في منظمة الوحدة الأفريقية وتأثيراتها؟
في فبراير 1982، شهدت منظمة الوحدة الأفريقية قبول عضوية جبهة البوليساريو خلال الدورة 38 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في أديس أبابا.
جاء هذا القرار نتيجة إغراءات كبيرة وضغوط قوية مارستها جزائر الجنرالات وليبيا القذافي على الدول الأعضاء في المنظمة، وفي سياق الحرب الباردة وتقاطباتها آنذاك. علما أن من شروط العضوية داخل المنظمة هو أن تكون الدول الأعضاء ذات سيادة، لكن قبول البوليساريو كان انتهاكًا صريحًا لهذه المبادئ.
أدت هذه الخطوة إلى منح الجبهة شرعية سياسية غير مستحقة، وأسهمت في تعقيد النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مع تأثيرات سلبية واضحة على الأمن والاستقرار في المنطقة.
عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي والتحليل القانوني للعضوية
عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 كانت خطوة مفصلية أعادت تشكيل السياسة القارية. حيث انضم المغرب بدون شروط تُذكر، مع دعم مباشر من 42 دولة مقابل محاولة 12 دولة فقط عرقلة انضمامه. مما يعكس التأييد القوي الذي يحظى به المغرب في القارة.
ووفقًا للقانون الأساسي للاتحاد الأفريقي، تنص المادة 29 منه على قبول الدول ذات السيادة فقط كأعضاء، مما يمنح المغرب أساسًا قانونيًا قويًا للطعن في عضوية البوليساريو باعتباره تنظيم مسلح أولا، وثانيا يحتكر التمثيل السياسي داخل المخيمات و لا يسمح باي تعدد أو إختلاف في الرأي، بل ويستمر في إنهاك القانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الإنساني.
علاوة على ذلك، يمكن للمغرب الاستناد إلى المادة 30 التي تنص على تعليق مشاركة الحكومات غير الشرعية،باعتبار ما يسمى حكومة الجمهورية الوهمية هي غير منبثقة عن أي آلية ديمقراطية أو انتخابات حرة وعامة.
ومع أن الاتحاد الأفريقي يفتقر حاليًا إلى آليات واضحة لطرد الكيانات غير المستوفية للشروط، فإن المغرب يسعى إلى طرح تعديل القانون الأساسي ليشمل هذه الآلية.
الدبلوماسية المغربية نحو الطرد النهائي للبوليساريو
استراتيجية المغرب الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي تتقدم بخطوات ثابتة نحو طرد البوليساريو من المنظمة وأهم هذه الخطوات تشمل:
-1 افتتاح العديد من الدول الأفريقية لقنصليات في مدينتي العيون والداخلة، مما يعكس اعترافًا متزايدًا بمغربية الصحراء ويعزز موقف المغرب دوليًا وقاريًا.
-2 قرب تصنيف البوليساريو كحركة مسلحة غير ديمقراطية تقصف المدنيين العزل، وهو ما يتعارض مع مبادئ الاتحاد الأفريقي التي تشترط أن تكون الدول الأعضاء ذات حكومات شرعية و ديمقراطية.
-3 وجود البوليساريو داخل الاتحاد يشكل عائقًا للتعاون مع الشركاء الدوليين، مثل الاتحاد الأوروبي والصين واليابان والولايات المتحدة و روسيا…، مما يزيد من الضغوط لطردها،كحل واقعي لتطوير الشراكات الممكنة و النافعة للاطراف.
4 -التنمية المستدامة: لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في قارة منقسمة على نفسها، و تخضع لابتزاز أقلية مسلحة مدعومة من الجزائر وجنوب أفريقيا.
5 -تعزيز الاستقرار الإقليمي: يسعى المغرب إلى تعزيز الاستقرار الأمني و محاربة الاتجار في البشر و استغلال الأطفال و النساء من خلال محاصرة هذه الآفات و التصدي لمشاريع الانفصالية و من ضمنها جبهة البوليساريو، ويعزز من فرص الحل السياسي للنزاع.
خلاصات
الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية
يعد الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاق الصيد البحري والمنتجات الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي إستعمالا سيئا للعدالة لاغراض سياسية، بينما يعتبر المغرب الحكم إستنجادا للخصوم بأدوات غير مشروعة للسطو على الشرعية الدولية، و التي تدعم مغربية الصحراء من خلال الاتفاقات التجارية والسياسية،و الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي يعقدها المغرب على كامل أراضيه.
مخرجات اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة
أكدت اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة خلال السنوات الماضية دعمها للعملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وأقرت نهائيًا بإقبار خيار الاستفتاء، الذي أثبت على مدى العقود الماضية عدم جدواه كآلية لحل النزاع.
كما أن الجهود الدولية الآن تركز على الحل السياسي من خلال مبادرة الحكم الذاتي المغربية التي تحظى بدعم متزايد من المجتمع الدولي.
و يتضح أكثر أن عضوية جبهة البوليساريو في الاتحاد الأفريقي ليست فقط مسألة نزاع إقليمي، بل تتعلق باحترام مبادئ الشرعية الدولية وسيادة الدول الأعضاء.
ثم إن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي كانت خطوة استراتيجية تهدف إلى تصحيح مسارات تاريخية وتعزيز الاستقرار في المنطقة. ومع الدعم المتزايد لموقف المغرب، يبدو أن طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي بات هدفًا قابلاً للتحقيق.
علما أن نجاح المغرب في هذا المسعى،هو انتصارًا للدبلوماسية الواقعية، وسيعزز من فرص التوصل إلى حل نهائي وعادل لقضية الصحراء المغربية تفعيلا للتوجيهات الملكية على مدى عقدين من الزمن.
الكاتب : مشيج القرقري - بتاريخ : 15/10/2024