جنيف: نداء الحياة

نوفل البعمري

 

بتاريخ 22 شتنبر الجاري نُظمت ندوة دولية على هامش الدورة 51 لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بجنيف تناولت ملف الصحراء بحيث تم تسليط الضوء على مختلف الجوانب الحقوقية المختلفة، التي يتقاطع فيها الانتهاك الممنهج الحقوقي بمخيمات تندوف، الذي يتعرض له سكان هذه البقعة الجغرافية داخل التراب الجزائري، بالجوانب المرتبطة بالروابط التي تضع تنظيم البوليساريو ضمن لوائح التنظيمات الإرهابية حيث كانت محاكمة اكديم ازيك واحدة من الملفات التي سلطت الضوء على الطبيعة الإجرامية لهذا التنظيم، والتي وصلت حد الارتباطات العضوية مع التنظيمات الإرهابية الجهادية، التي تحاول نقل تمركزها لمنطقة الساحل مستغلة وضعية بعض البلدان كحالة شمال مالي.
الندوة لم تكن فقط مناسبة لتسليط الضوء على هذا الواقع بل كانت أيضا مناسبة للاستماع لشهادات حية على رأسها شهادة مغلاها الدليمي، التي تم تهجيرها لكوبا وهي طفلة لتقرر الفرار من جحيم المخيمات والعودة للوطن، مشيرة إلى أن بعض جراحاتها لم تندمل إلا بقرار العودة في انتظار الإنصاف، هذا الإنصاف الذي لا يرتبط فقط بحالتها بل بحالة مئات الضحايا في مسيرة تنظيم مليئة بالاختطافات، التعذيب والمحاكمات الصورية… لنشطاء، مدونين، أضف لهم عشرات من حالات الاختفاء القسري لمجهولي المصير من المعارضين وممن انتقدوا وضعية المخيمات الإنسانية والحقوقية على رأسهم حالة المجهول المصير الخليل أحمد، الذي مازالت عائلته تنتظر الكشف عن مصيره.
الندوة الدولية التي شارك فيها من الحضور مزيج مختلط يعكس حاجة الرأي العام الدولي للاستماع لوجهة نظر تعكس الحقيقة، وتكشف عن واقع المخيمات بعيدا عن خطاب «حركة التحرير»، «الكفاح المسلح»، الذي لم يتحول فقط إلى شعارات بل لوسيلة لإرهاب المخالفين، ومبرر لانتهاك أبسط الحقوق الأساسية التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية، وقد كان هذا الحضور الذي تنوع بين مهاجرين مغاربة يتقدمهم الحاخام الأكبر لليهود بجنيف، وطلبة سويسريين وأفارقة وباحثين أكاديميين ممن غصت بهم القاعة لمتابعة هذا النقاش الجديد في قاعة مفتوحة حج إليها كل المهتمين بحقوق الإنسان بصفة عامة وبمعرفة الحقيقة، الحقيقة كاملة من منظور حقوقي صرف.
الندوة توجت بإصدار لنداء انتصر فيه المجتمعون للحياة ولقيمها، ولكونية حقوق الإنسان، عكس ماراج من نقاش مفتوح وحقيقي حول مختلف الجوانب المرتبطة بالملف من منظور إنساني، حقوقي، وكونية القيم الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأفراد والجماعات، وهو النداء الذي لخص مطالب الحركة الحقوقية سواء للفاعلين من أبناء المخيمات ممن ينتظرون إنصافهم، أوللنشطاء الذين تبنوا هذا الملف من زاوية حقوق الإنسان.
إن مطلب إنصاف الضحايا، سواء ضحايا اكديم ازيك من أسر الذين استشهدوا من أفراد القوات العمومية، أوالذين تعرضوا للتعذيب والاختطاف، محاكمات صورية، إعدام خارج نطاق القانون… وغيرها من الانتهاكات، أصبح هذا المطلب ملحا بالنسبة إليهم خاصة أولئك الذين نجوا واستطاعوا الفرار من جحيم المخيمات والعودة لوطنهم، وتمكنوا من الحديث والكشف عن واقع المخيمات المظلم إنسانياً وحقوقياً، وهو مطلب لن يستقيم ويتحقق إلا بطي هذا الملف وتفكيك المخيمات وضمان عودة سالمة لساكنتها للمغرب وتحريرهم من سجن كبير اسمه مخيمات تندوف.
إنصاف الضحايا لن يتحقق والدولة الحاضنة لا تريد رفع يدها عن الملف، وعن المخيمات، هذه الدولة التي تدفع في اتجاه تأزيم الملف سياسياً خدمة لأجندة عسكرها الذي لا يرى استمراريته إلا في عدم حل الملف، وبالاستمرار في القبضة الحديدية للمخيمات التي تورط فيها الدرك الجزائري بعمليات قنص وإعدام خارج نطاق القانون للمنقبين عن الذهب، وللشباب الذي يحاول الفرار من المخيمات.
لا إنصاف بدون تفكيك المخيمات، وطي الملف سياسيا، ولا إنصاف بدون محاكمة جل الذين مارسوا ساديتهم على ساكنة تم عزلها عن العالم، والاستفراد بها، في ظل عجز المنتظم الدولي عن فرض القانون الدولي الإنساني على الدولة الحاضنة، الدولة الجزائرية.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 26/09/2022