جيل الغضب وسفينة الحكومة: حين تهتزّ مسؤولية التحالفات وتتعالى أصوات الشباب

بقلم: النائب البرلماني الدكتور عمر اعنان

تبدو ملامح الارتباك السياسي في حكومة عزيز أخنوش اليوم أوضح من أي وقت مضى، فبعد أن قدّمت نفسها في بداية الولاية على أنها حكومة كفاءات وانسجام، أصبحت صورتها عند الرأي العام مرتبكة، بينما تتزايد الضغوط الاجتماعية وتتعالى أصوات الشباب المطالبين بالإصلاح. ويعكس خروج شباب “جيل Z ” إلى الشارع حاجتهم الماسّة إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير فرص أفضل للتشغيل والمشاركة في القرار العمومي، وهي مطالب تعبّر عن جيل يشعر بأن السياسات الحالية لا تستجيب لتطلعاته في العدالة الاجتماعية والكرامة، خصوصًا مع ارتفاع ملموس في نسبة البطالة في صفوفه. وفي الوقت ذاته تكشف المعطيات الرقمية الحديثة أن فئة عريضة من المغاربة ترى أن الحكومة فشلت في تحسين أوضاع الفئات الفقيرة فيما تعتبر فئات واسعة أخرى أنها لم تتمكن من ضبط الأسعار أو مواجهة موجات الغلاء المتكررة، وهو ما يعكس فجوة متزايدة بين حاجات المجتمع وأداء الحكومة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.
في هذه الأجواء المشحونة، بدأت بعض مكوّنات التحالف الحكومي تبحث عن مخارج للهروب من تبعات القرارات التي شاركت في صياغتها وتنفيذها، في مشهد أشبه بمحاولة القفز من السفينة أو التبرؤ من المسؤولية الجماعية التي كانت إلى وقت قريب تُقدَّم باعتبارها مصدر فخر أمام الكاميرات. ويبرز في هذا الإطار موقف نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، الذي اختار الظهور في برنامج تلفزيوني بصفته الحزبية فقط، في رسالة ضمنية تفيد محاولة النأي بالحزب عن الفشل الحكومي وضغوط الشارع، والحفاظ على صورة الحزب أمام قواعده بعيدًا عن موجة الغضب الشعبي. والحقيقة أن الشجاعة السياسية ليست في الخطابات الرنانة أو ارتداء قبعتين حسب الظرف، بل في تحمّل التبعات كاملة في السراء والضراء، فلا يمكن الجمع بين امتيازات السلطة ومكاسب المنصب من جهة والتنصل من نتائج القرارات الحكومية من جهة أخرى.
وليس حزب الاستقلال وحده من يُظهر هذا التناقض بين الموقع الوزاري والخطاب الحزبي. فحزب “الجرّار”، أحد أعمدة التحالف الحكومي، قدّم هو الآخر مثالًا واضحًا على هذا السلوك المزدوج. فمنذ مؤتمره الوطني الخامس، اعتمد الحزب قيادة ثلاثية ضمّت فاطمة الزهراء المنصوري ومهدي بنسعيد وصلاح الدين أبو الغالي بدلًا من أمين عام واحد. هذا القرار قُدّم للرأي العام باعتباره تعبيرًا عن “القيادة الجماعية”، لكنه في الواقع جاء نتيجة توترات داخلية وصراعات على النفوذ، تحوّلت إلى خلافات علنية. فصلاح الدين أبو الغالي أصدر بيانًا اتهم فيه المنصوري بممارسة “سلوك استبدادي” داخل الحزب، واعتبر أن المكتب السياسي استخدم ذرائع غير قانونية لتجميد عضويته بسبب نزاعات شخصية وتجارية. هذه الخلافات العلنية، التي يتابعها الرأي العام، تُظهر أن الحزب – رغم وجوده في الحكومة وتوليه حقائب وزارية حساسة – لا يتردد في إبراز انقساماته الداخلية أو انتقاد الأداء الحكومي كلما تعلق الأمر بحماية مصالحه الحزبية أو قواعده الانتخابية.
هذه المشاهد ليست مجرّد حوادث معزولة، بل تعبير عن أزمة سياسية أعمق، حيث تحاول الأحزاب الكبرى الجمع بين المشاركة في السلطة وحماية رأسمالها الرمزي لدى الناخبين، في وقت لم تعد فيه الصورة الإعلامية كافية لطمأنة الشارع أو تهدئة المطالب. إنّ البطولات السياسية الحقيقية اليوم ليست في المناورات ولا في تقاسم المناصب، بل في الجرأة على مواجهة الواقع، والاعتراف بالأخطاء، ووضع سياسات واضحة تستجيب لتطلعات الشباب وتعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة.
إن استمرار خطاب “أنا وبعدي الطوفان” والتملص من المسؤولية الجماعية يهدّد بانفجار أزمة ثقة أعمق ويجعل السفينة الحكومية بلا رُبّان حين تشتد العواصف الاجتماعية والاقتصادية المقبلة. وإذا أرادت هذه الحكومة أن تحافظ على شرعيتها وأن تُظهر بطولتها السياسية، فعليها أن تختار بين إدارة السلطة كغنيمة حزبية أو التعامل معها كمهمة وطنية تتطلّب الانسجام والجرأة في الإصلاح.

الكاتب : بقلم: النائب البرلماني الدكتور عمر اعنان - بتاريخ : 08/10/2025