جيل Z: ديمقراطية سائلة في شوارع المملكة

جواد شفيق

منذ زمن ليس بقريب وكثير من الأبحاث والدراسات والتجارب المعاشة هنا وهناك تؤكد بأن الديمقراطية التمثيلية قد اعتراها كثير من الترهل وصار ينظر ينظر إليها بغير قليل
من فقدان الثقة وغياب الجدوى والمعنى.
تتعدد الأسباب وتتنوع، بدءا من ضعف التمثيلية وعدم صدقيتها وتعاظم مظاهر الأوليغارشية المؤسساتية وفساد ساكنة المؤسسات التمثيلية وقصور وترهل وحتى فساد مؤسسات ووسائط التعبير التمثيلي، من أحزاب ونقابات ..إلخ.
ولأن المجتمعات بطبعها حية ، أيا كانت سلطة وإيديولوجية التنميط والإلهاء والتحييد والتحكم والتخويف، وأيا كان طول أو قصر فترات الكمون، فإن مطالبها وانتظاراتها، أي المجتمعات، ما تفتأ تتجدد، وتتحين حسب الظروف، وتتعاظم حسب الحاجة، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.و لذلك فإن المجتمعات، أو المجموعات، أو الأفراد يظلون دائمي البحث عن أشكال جديدة للتعبير وإسماع الصوت وإبلاغ المطلب والانتظار والتنبيه للحاجة أو المشكلة.
بعد اختناق كثير من شرايين الديمقراطية التمثيلية،  برزت أشكال أخرى من الديمقراطيات، كالمباشرة، والتشاركية، وأخيرا الديمقراطية الدائمة والديمقراطية السائلة.
لقد مكنت ثورة الذكاء الاصطناعي والمعلوميات والتكنولوجيات والخوارزميات من خلق جيل متصل على الدوام Génération connectée، كما مكنت العولمة هذا الجيل من أن يعيش العالم، كل العالم من وراء شاشته.
وهو ما جعل من حقوق الإنسان في كونيتها مادة مشاعة، أقله للإطلاع عليها، والإطلاع على المجتمعات والأقطار الرائدة في الانتفاع منها .. ومن ثم الاقتداء ب «نضالها» لتحقيق ما حققته وبلوغ ما بلغته.
ولذلك ، وبعيدا عن أي تتفيه لما هو نصب أعيننا، من تحركات جيل Z المغربي، فإن النباهة المغربية التي تفاعلت بذكاء ونباهة وتعقل مع حركة عشرين فبراير، بخطاب تاسع مارس التاريخي، ودستور 2011 المتقدم، لا ولن يعوزها نفس الذكاء ونفس التعقل ونفس ضبط النفس، حتى نربح جميعنا دولة و شعبا انتقالاتنا ورهاناتنا الآنية والمستقبلية.
لا شك أن جيل Z المغربي قد انتبه، كله، وعلى الأقل نخبته إلى حركات مثل Occupy wall street، وles indignados de la puerta del sol، وLes nouveaux dissidents chinois، وles étudiants chiliens، والحركات النسوية، والثقافية عبر العالم، ومؤخرا ما حققه جيل Z بالنيبال..
فشبابنا ليس معزولا عن العالم، ومطالبه في حدودها الحالة تقف عند الحق في ينال حقه من ثمار النمو، وفي التنمية، وفي مرفق عمومي صحي وتعليمي جيد.
في كتابه الشيق La fin des sociétés يخلص السوسيولوجي الفرنسي الشهير Alain Touraine  بأنه إذا  كانت الرأسمالية المالية قد أصبحت متوحشة لدرجة قصوى في أيامنا هذه ، فإن حركات اجتماعية متجددة و بأساليب وأشكال و قنوات متجددة بإمكانها أن تحد من هذا التوحش، لتعود للدولة اجتماعيتها.
في الحالة المغربية، سبق وقلنا في غير ما مناسبة بأنه لا يستقيم التغني بالدولة الاجتماعية بسياسات ليبرالية وحكومات مصالحية وإجراءات إحسانية أكثر منها محققة للعدالة الاجتماعية والمجالية والكرامة الإنسانية.
ومن هنا حتمية مراجعة طارئة للسياسات الثلاثة، عامة وعمومية وقطاعية وخاصة تلك الموجهة منها للشباب.

فاس 28 شتنبر 2025

الكاتب : جواد شفيق - بتاريخ : 30/09/2025