حاتم إدار .. النفس الأمارة بـ «buzz»
جلال كندالي
سقطة فنية مدوية كان من ورائها الفنان حاتم إدار الذي حاول في أغنيته الأخيرة «بنات الدنيا» أن يخلق بها مايسمى ب «بوز». وفعلا استطاع أن يلوي عنق الإثارة، لكن بشكل سلبي، حين اعتمد في تصوير الفيديو كليب على أسماء معروفة في مواقع التواصل الإجتماعي بشخصيتها المثيرة للجدل إن لم نقل المهزورة، وهو ما تعكسه التدوينات والتعليقات المصاحبة لسلوكيات هذين الشخصيتين.
الأغنية، إن أردنا تسميتها بذلك تجاوزا، جعلت رواد التواصل الإجتماعي سواء المتتبعين من الجمهور أو الإعلاميين وحتى الفنانين المنتمين إلى نفس الحقل الإبداعي، يعلنون بشكل واضح سخطهم وعدم رضاهم عن هذا الإسفاف الذي أصبح يروج له باسم الأغنية المغربية. وهو ما جعل هناك شبه إجماع على أن هذه «القطعة» تضرب في الصميم الصورة الجميلة التي حاول الرواد وأسماء من الجيل الجديد تكريسها لدى الجمهور العربي . لكن بقرار أرعن من حاتم إدار وكل أفراد الطاقم المشرف على هذا المنتوج الهجين تم خدش هذه الصورة والنيل من كل التراكمات التي حققتها الأغنية المغربية عبر أجيال وأجيال ،من العطاء والكد والاجتهاد، كلمات، لحنا، توزيعا وتصويرا .
وبعيدا عن المقاربة الشكلية المرتبطة بالذوق العام وغيره، و إن كانت مهمة و وأساسية فموسيقيا تقفى حاتم إدار الخطى والشكل والأسلوب الذي اختاره زميله في الحرفة أيمن السرحاني، رغم أن هذا الأخير اعتدى على هذا الأسلوب وسرقه من الجارة الجزائر، حيث شكلت فعلته فضيحة مدوية، بعدما بين فنانون وإعلاميون جزائريون بالدليل والبرهان هذه السرقات الفنية الجزائرية كلمات ولحنا، لكن رغم ذلك وعوض أن ينتفض الإعلام ضد هذا السلوك، خاصة الإعلام الرسمي المغربي وأصحاب المهرجانات ضد هذه السرقة الموصوفة، يحدث العكس ويتم الاحتفاء بالسرحاني بشكل غريب، وبذلك يكون الإعلام يحتفي ويشجع قيما دخيلة على مجتمعنا المغربي، وهو ما سار في طريقه حاتم إدار، مع العلم أن الجملة اللحنية المستعملة في قطعة إدار ليست حرفية بالمعنى المتعارف عليه لدى أهل المغنى . وكأن المستمع للحن «بنات الدنيا» يجد نفسه أمام ملحن هاو لم يسبق له أن تعامل في هذا المجال . وبذلك يكون حاتم إدار ترجم بالملموس الحكمة المغربية العميقة التي تقول «مكنتعجبش اللي حارث السطح كنتعجب اللي خماس عليه «.
أما على مستوى الكلمات، فلا أحد يستطيع أن يستمع إليها رفقة أسرته وعائلته لما تتضمنه من كلام أقل ما يقال عنه إنه سوقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتعمد حاتم إدار وكاتب الكلمات وربما كل المشتركين في هذه «الجريمة الفنية» على خدمة الهدف الرئيسي، وهو خلق ضجة مسيئة له ولبدايته الفنية «bad buzz» لحصد عدد المشاهدات، التي للأسف يحاول البعض أن يجعلها المقياس الوحيد لنجاح عمل ما من عدمه .
أما على مستوى الفيديو كليب، الذي يعتبر إبداعا موازيا للعمل الأصلي، ونقصد هنا الأغنية. فقد ترجم بالملموس الفكرة التي انبنى عليها الهدف من الأغنية، من خلال الاستعانة ب»الناشط فيسبوكيا» آدم لحلو المتحول إلى»أدومة»، حيث تم الاعتماد على» شهرته» الافتراضية، وكذلك الأمر بالنسبة للمراكشي المسمى نور الدين نيبا . وهذا اعتراف صريح من حاتم إدار بعجزه في خلق ال «buzz»لوحده من خلال عمل فني يرقى إلى ما ينتظره الجمهور والساحة الفنية. وهذا في حد ذاته يشكل كارثة حقيقية حول الرؤية الفنية لأي منتسب للحقل الفني.
في حين أن الفنان حاتم إدار له خامة صوتية قليلا ما تتوفر في غيره، وذا صوت طربي بامتياز، وكان عليه أن يختار الأسلوب الذي يليق به والذي يلائمه، وألا ينسلخ عن بصمته الفنية التي من المفروض أن تشكل إضافة إيجابية للأغنية المغربية والعربية، إن سلك طبعا دربه الحقيقي، لكن للأسف اختار في عمله الجديد خوض غمار السباحة في فن الراي الذي يبقى بعيدا وغريبا عنه بصدق ،بل عليه أن يؤمن أن صوته الطربي هو رأسمال حقيقي إن وظفه توظيفا صحيحا والابتعاد عن وهم الإثارة المجانية ووهم اللايكات الذي يعتقد كما آخرون بأنها هي المحدد في النجاح والشهرة والانتشار .
ما أقدم عليه حاتم إدار أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه عملية انتحار مصورة لصوت طربي يعد بالكثير ، وعوض أن يبحث عن الكلمة الراقية واللحن الذي يستوعب الكلمة والإحساس معا، اختار ما اعتقده أنه الصواب، فسقط في المحظور وانغمس في الإسفاف، ومازال للأسف يدافع عن ذلك في تصريحاته رغم أنه لم يحصل هناك إجماع من قبل على رفض عمل ما بهذه الصورة، بقدر ما تم مع أغنيته، الشيء الذي اضطره إلى إيقاف التعليقات الواردة ضده في قناته بموقع اليوتوب، بحكم أنها التقت كلها في استهجان هذه الأغنية وكانت الانتقادات قاسية ومؤلمة. ورغم كل ذلك فلم يصدر عنه أي ندم، بل العكس هو ما حصل، متناسيا فضيلة النقد الذاتي الذي هو أول خطوة من أجل التصالح مع الجمهور، وقبل ذلك التصالح مع النفس الأمارة ب «buzz».
الكاتب : جلال كندالي - بتاريخ : 20/03/2018