حديث الأرقام : المغرب يدفع فاتورة فشل سياسة تدبير سلسلة الحبوب بالعملة الصعبة

عماد عادل

13 مليار درهم هو المبلغ الذي أنفقه المغرب في أقل من 6 أشهر لشراء القمح والشعير. هذه الفاتورة الضخمة التي تم تسديدها بالعملة الصعبة يرتقب أن تتضاعف خلال الأشهر الستة المتبقية من العام في ظل أزمة مزدوجة تتسم بارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق الدولية من جهة (حيث تضاعف سعر القمح من 200 إلى 400 أورو للطن هذا العام) وبتراجع مقلق في الإنتاج الوطني للحبوب الذي انخفض بنسبة 69% مقارنة مع الموسم الفلاحي الماضي.
وقد أكدت منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة، أول أمس الخميس، أن المغرب سيحتاج إلى استيراد 62 مليون قنطار من القمح من أجل تعويض الانخفاض الكبير المتوقع في مستوى الإنتاج المحلي. أبرزت في تقريرها نصف السنوي حول توقعات الأغذية خلال العام الجاري، أنه من المتوقع أن يزيد طلب المغرب على واردات القمح، خاصة من كندا والهند. بل إن المغرب يدق اليوم على أبواب 26 بلدا عله يحظى بحصة تضمن له مخزونا مريحا من القمح.
وإذا كان إنتاج الموسم الحالي من الحبوب الرئيسية (القمح اللين، القمح الصلب، الشعير)، إنتاجا هزيلا لن يتعدى في أحسن الأحوال 32 مليون قنطار، فإن ذلك لا يعزى فقط إلى العوامل المناخية التي اتسمت بالفعل بشح التساقطات وسوء توزيعها، بل يعود كذلك إلى سوء تدبير السياسة الفلاحية الموجهة لسلسة الحبوب بشكل خاص وإلى بعض الاختيارات الفاشلة ضمن استراتيجية المغرب الأخضر بشكل عام، وهي السياسة التي راهنت على دعم الفلاحة التصديرية وأهملت في المقابل الفلاحة الاستهلاكية المحلية وعلى رأسها سلسلة الحبوب التي كانت تعد العمود الفقري للفلاحة في المغرب، حيث كانت تستحوذ لوحدها على 71 % من المساحة الإجمالية للأراضي الصالحة للزراعة. وتدر حوالي 20 % من رقم المعاملات الفلاحي الإجمالي وتساهم في التشغيل بنسبة 19 % .
ولكي نفهم تأثير السياسات العمومية على سلسلة الحبوب خلال العقد الأخير، من المفيد أن نقارن واقع هذا القطاع قبل وبعد مخطط المغرب الأخضر، وحتى تستقيم المقارنة ، يمكن أن نأخذ 2007 و 2022 كموسمين متشابهين من حيث ضعف التساقطات، فخلال 2007 كلفت واردات الحبوب (قمح و ذرة و شعير) أقل من 14 مليار درهم في عام كامل، بينما وصلت هذه الفاتورة حتى متم ماي 2022 (أي 5 أشهر فقط) إلى أزيد 13 مليار درهم ، بعبارة أخرى فقد أصبحنا اليوم نستورد من الحبوب في نصف عام ما كنا نستورده في عام كامل، وإذا كان الجفاف قبل مخطط المغرب الأخضر (2007) يجعلنا نستورد 3.6 مليون طن، فإنه اليوم أصبح يجبرنا على استيراد 6.2 مليون طن، ولعل هذه النتيجة وحدها تكفي لتفتح أعيننا على حجم الفشل الذريع الذي مني به مخطط المغرب في سلسلة الحبوب، والذي كان يراهن على هدف تقليص الحاجة الى الاستيراد ب 20% فإذا به يضاعفها ب100%  وهكذا فإن ضعف الإنتاج المحلي المرتبط بالتقلبات المناخية وتقليص المساحات المزروعة بالحبوب يجعل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب حلما بعيد المنال، زيادة على غياب ضبط المساحات والأصناف المزروعة ونقص كبير في مواكبة الفلاحيين لتحسين الإنتاج وجودته وفشل سياسة التجميع التي لم تتحقق في هذه السلسلة بالشكل الذي حققته في سلسلتي الحليب والسكر على سبيل المثال.
عشرية المغرب الأخضر كانت كافية لتقديم نقد ذاتي وموضوعي لهذا المخطط الذي لا يمكن أن ننكر أنه نجح في العديد من الأهداف التي رسمها سنة 2008 ، والتي استفاد منها على الخصوص كبار الفلاحين والاقطاعيين والمصدرين و أصحاب النفوذ في القطاع الفلاحي، دون صغار المزارعين، لكنه وبسبب هيمنة العقلية التقنوقراطية والليبرالية الرأسمالية المهيمنة منذ عقود، على الفكر والخطاب والممارسة الاقتصادية فشل في الأهم : تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للبلاد .

الكاتب : عماد عادل - بتاريخ : 09/07/2022