حصان طروادة… ونهاية العسكر الجزائري

نوفل البعمري

 

يسجل الملاحظون وجود تحركات في المنطقة تتعلق بالتقارب الجزائري-الفرنسي من جهة، والأزمة المغربية الفرنسية من جهة أخرى، والتي اعتبرت الزيارة السابقة لماكرون للجزائر، ثم الزيارة الحالية لشنقريحة لفرنسا، أهم تجلياتها، ويُطرح السؤال حول أسباب هذه الزيارة غير تلك المعلن عنها من توقيع اتفاقيات تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري بين البلدين!!
إن الجواب عن هذا السؤال نجده في التحرك الذي يتم داخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بالكونغرس، الذي وجه أعضاؤه رسالة تطالب بتطبيق عقوبات اقتصادية، سياسية ومالية على الجزائر، بسبب وجود تقارير عن العسكر الجزائري، الذي خصص ميزانية ضخمة للتسلح بتوجهه نحو شراء السلاح من روسيا، وهو ما يعاقب عليه القانون الأمريكي الذي يطالب أعضاء الكونغرس بتطبيقه على الجزائر وجنرالاتها، وهو ما دفع، قبل أشهر، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر إلى لقاء شنقريحة قصد تنبيهه إلى أن شراء السلاح الروسي قد يؤدي لفرض عقوبات على الجنرالات، والتي قد تشمل أرصدتهم المالية بالغرب.
هذه التحركات الأمريكية دفعت الجزائر إلى البحث عن حماية غربية، وليس هناك غير فرنسا، البلد الأقرب للجزائر، كي توفر لها نوعا من الحماية قد تنتهي بتغيير الوجهة الجزائرية على مستوى شراء الأسلحة من السوق الروسية إلى السوق الفرنسية، لذلك لن نستغرب إذا ما تم توقيع اتفاقيات لشراء الأسلحة من فرنسا بصفقات ضخمة، في إطار سياسة الجنرالات لتنويع سياسة التسليح بين روسيا وفرنسا، هذه الأخيرة التي تعتبر اليوم، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، السوق المفضلة للجزائر، لأن روسيا في حاجة للسلاح مما يجعلها غير قادرة حاليا على تلبية الطلب الجزائري، كما أنها هي نفسها محتاجة لقطع الغيار المرتبطة بالآليات العسكرية.
هذه المعادلة بالنسبة للجزائر تعتبر جد صعبة، معادلة أن يتمكن النظام الجزائري من استبدال حليفه التقليدي الموروث من فترة الحرب الباردة، وهي روسيا التي ارتبطت معها ليس فقط بصفقات السلاح بل شمل تعاونهما مستويات سياسية واقتصادية كبرى، مرتبطة أيضا بمساعدة النظام الجزائري لقوات «الفاغنر» بالمنطقة، وبحثها عن حليف جديد خاصة على المستويين العسكري والدبلوماسي، قد يقدم لها الحماية من أي عقوبات أمريكية محتملة، فهل يمكن للنظام الجزائري أن يلعب على الحبلين، الحبل الروسي والحبل الغربي، وهل يقبل باقي الغرب بهذا التموقع غير الواضح للنظام الجزائري بين فرنسا والغرب والمحور الإيراني-الروسي!!!
الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وبناء تحالفات عالمية جديدة على أساسها، سيجعل من غير الممكن أن تلعب الجزائر على الوجهين؟! وسيكون مطلوب منها أن توضح خياراتها الجيواستراتيجية بالمنطقة، خاصة وأن العسكر ارتكب خطأ استراتيجيا باستعماله لسلاح الغاز للضغط على إسبانيا بعد موقفها السياسي الأخير من القضية الوطنية، لذلك فالجزائر ستكون مضطرة لتوضيح موقفها واختياراتها بالمنطقة، بين أن تحافظ على تحالفها مع روسيا وتؤدي ثمنه سياسياً، وتواجه العقوبات التي قد تفرضها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وبين أن تنحاز للغرب وتغير توجهها وتفقد بذلك حليفها التاريخي!!
فرنسا كانت لها قراءة «ذكية» لهذا التموقع الصعب للجزائر وخيارات نظامها الصعبة، أضف لذلك أنه كانت لها قراءة واقعية لوضعيتها الجديدة بإفريقيا بعد أن فقدت أغلب مواقعها بالقارة وتراجع تفوذها بالساحل وعموم إفريقيا، من هنا قررت الدولة الفرنسية أن تسبق الولايات المتحدة الأمريكية للجزائر وأن تستفرد بهذا النظام رغم الثمن الباهظ الذي اختارت أن تؤديه في علاقتها مع المغرب والأزمة غير المسبوقة التي يعيشها البلدان منذ أن اختارت فرنسا الانحياز للعسكر.
الاختيارات الجديدة للقيادة العسكرية الجزائرية والتوجهات الجديدة للنظام العسكري، بتقربه من فرنسا كمدخل للغرب، هي بمثابة صك ولوج حصان طروادة إلى قلعة العسكر الجزائري، وذلك لأن هذا الأخير في حال استمر في رهانه الجديد على الغرب، فإنه سيفقد روسيا، التي كانت تعتبر بالنسبة إليه بمثابة تأمين وجودي على غرار ما قامت به مع بشار الأسد في سوريا، وهذا الاختيار الذي تتجه نحوه الجزائر سيجعلها عاجزة عن الاستمرار في تحقيق التوازن بين التحالف مع روسيا وإرضاء الغرب، خاصة وأن حلف «الناتو» بعد الحرب الروسية الأوكرانية لن يقبل بامتداد روسي بشمال إفريقيا، ويبدو أن كل ما يقوم به الغرب هو محاولة استدراج النظام الجزائري للمعسكر الغربي من أجل فصله عن روسيا، ودخول فرنسا على الخط هو نتيجة قراءتها للوضع الصعب للنظام الجزائري، والذي تستغله من أجل الاستفادة من صفقات الأسلحة والغاز والصفقات التجارية الأخرى.
هذا الوضع الجيواستراتيجي الجديد الذي ستجد فيه الجزائر نفسها بعد أن يتم استدراجها لقطع العلاقة مع روسيا وفقدانها كل تأمينها الروسي، سيجعل الغرب مستفردا بها وسيتم بعده فرض مطالبه عليها، ويبدو أن هذه هي خطة حصان طروادة الفرنسي أو الغربي عموماً، الذي سيقتحم قلعة العسكر لعزلة عن حليفه التقليدي ووضعه وجها لوجه مع الشارع ومطالبه ومطلب الحكم الذاتي بالقبايل، بالتالي تسرب حصان طروادة للداخل الجزائري، الذي سينتهي لا محالة بعد فرض الديموقراطية على العسكر، وأن ينتهي الأمر بفرض مبادرة الحكم الذاتي على النظام الجزائري لقبولها كحل سياسي لطي ملف الصحراء!! ثم نهاية العسكر الجزائري!!

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 30/01/2023

التعليقات مغلقة.