خطاب‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬الشرعي‭ ‬والعالم‭ ‬المنفصل‭ ‬

عبد السلام المساوي

تسقط‭ ‬المؤامرات‭ ‬تباعا،‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬سراب‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬شاسعة،‭ ‬يحسبه‭ ‬الخصوم‭ ‬والأعداء‭ ‬ماء‭ ‬زلالا،‭ ‬ويحسبه‭ ‬المغاربة‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬المزمن،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كائنات‭ ‬وكيانات‭ ‬اعتقدت،‭ ‬يوما،‭ ‬أن‭ ‬بإمكانها‭ ‬انتزاع‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬ترابهم،‭ ‬أو‭ ‬انتزاع‭ ‬التراب‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدامهم‭ .‬
‭ ‬ويأتي‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬49‭ ‬لعيد‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬المظفرة،‭ ‬للإعلان‭ ‬عن‭ ‬مسيرة‭ ‬وطنية‭ ‬ودولية‭ ‬جديدة،‭ ‬عنوانها‭ ‬الوضوح،‭ ‬ورسم‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬الواقعي‭ ‬والحقيقي‭ ‬والشرعي‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬صحرائه‭ ‬وسيادته‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬ترابه‭ ‬من‭ ‬الريف‭ ‬وطنجة‭ ‬إلى‭ ‬الداخلة‭ ‬والكويرة،‭ ‬وبين‭ ‬عالم‭ ‬تجمدت‭ ‬أوصاله‭ ‬وأفكاره‭ ‬ومبادراته‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ .‬
‭ ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يترجم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬شراكات‭ ‬وعلاقات‭ ‬تعاون‭ ‬وتفكير‭ ‬في‭ ‬رفاه‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬وتنميتها‭ ‬وتقدمها،‭ ‬وجنوح‭ ‬للسلم‭ ‬والبناء‭ ‬واحترام‭ ‬استقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬المنطقة‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬وواقعها،‭ ‬والزج‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬أخرى‭ ‬‮.‬
‭ ‬لقد‭ ‬فند‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬جميع‭ ‬أطروحات‭ ‬‮”‬‭ ‬العالم‭ ‬المنفصل‭ ‬والجامد‭ ‬‮”‬‭ ‬،‭ ‬وكشف‭ ‬ثقوبها‭ ‬وعيوبها‭ ‬وأهدافها‭ ‬غير‭ ‬المعلنة،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أطروحة‭ ‬إجراء‭ ‬استفتاء،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجرؤ‭ ‬الطرف‭ ‬المنادي‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬إحصاء‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬العار‭ ‬والذل‭ ‬في‭ ‬تندوف‭ ‬الجزائرية‭ ‬‮.‬
‭ ‬لقد‭ ‬عرى‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬عن‭ ‬متناقضات‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بالاستفتاء‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تخلي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عنه‭ ‬واستحالة‭ ‬تطبيقه‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬رفضها‭ ‬السماح‭ ‬بإحصاء‭ ‬المحتجزين‭ ‬بمخيمات‭ ‬العار‭ ‬بتندوف،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬الرهائن‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية‭ ‬من‭ ‬الذل‭ ‬والإهانة‭ ‬والحرمان‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬واستغلال‭ ‬القاصرين‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬السلاح،‭ ‬ورعاية‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬والعلاقات‭ ‬بشبكات‭ ‬الاتجار‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬بأنواعها‭ ‬‮.‬
‭ ‬المنتصر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يملي‭ ‬عادة‭ ‬شروطه،‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬القاعدة‭ ‬‮…‬لكن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬لما‭ ‬تنتصر،‭ ‬ولما‭ ‬تحصد‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬المتزايد‭ ‬لسيادتها‭ ‬المشروعة‭ ‬على‭ ‬صحرائها‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وتتبدى‭ ‬أمامها‭ ‬بجلاء‭ ‬آفاق‭ ‬الحسم‭ ‬النهائي‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭ ‬المفتعلة،‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬أبدا‭ ‬كي‭ ‬تستقوي‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬أو‭ ‬تستبد‭ ‬بالوضع‭ ‬المريح‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬عليه‭ ‬موقفها‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬تتحلى‭ ‬برجاحة‭ ‬العقل‭ ‬والرصانة‭ ‬وبعد‭ ‬النظر‭ ‬وتترك‭ ‬دائما‭ ‬مخرجا‭ ‬لخصوم‭ ‬وحدتها،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬فرصة‭ ‬إقليمية‭ ‬كذلك‭ ‬للتعاون‭ ‬وللبناء‭ ‬المشترك‭ ‬والتنمية‭ ‬‮.‬
‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المقصد‭ ‬النبيل‭ ‬الذي‭ ‬يرشح‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬القوي‭ ‬للملك‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬49‭ ‬للمسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬فحين‭ ‬رمز‭ ‬جلالته‭ ‬إلى‭ ‬الجارة‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬منفذا‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستنكف‭ ‬معها‭ ‬أن‭ ‬توحي‭ ‬للمبعوث‭ ‬الأممي‭ ‬بمقترح‭ ‬تقسيم‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬وضح‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬بادر‭ ‬إلى‭ ‬اقتراح‭ ‬هذا‭ ‬المنفذ‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬لن‭ ‬يمنع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نشترك‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬أواصر‭ ‬اللغة‭ ‬والدين‭ ‬والتاريخ‭ ‬والدم،‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬موضوعا‭ ‬للتفاوض‭ ‬والمساومة،‭ ‬وقاموا‭ ‬بتغيير‭ ‬أسلوبهم‭ ‬وأصبح‭ ‬لهم‭ ‬نفس‭ ‬هدفه‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬‮.‬
‭ ‬يتواصل‭ ‬تأكيد‭ ‬المغرب‭ ‬وفق‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الحكيمة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬وضمان‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬والقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬لا‭ ‬تراجع‭ ‬عنها،‭ ‬والرسالة‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬لمن‭ ‬يستغل‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬منفذ‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬اقترح‭ ‬مبادرة‭ ‬دولية‭ ‬لتسهيل‭ ‬ولوج‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الشراكة‭ ‬والتعاون،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬المشترك‭ ‬لكل‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬‮.‬
‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬الرصينة،‭ ‬يكون‭ ‬جلالته‭ ‬قد‭ ‬مد‭ ‬يده‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للجزائر،‭ ‬ناصحا‭ ‬حكامها‭ ‬بالنزول‭ ‬من‭ ‬عربة‭ ‬الوهم،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الحقائق‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬‮.‬
‭ ‬وبذلك،‭ ‬إذا‭ ‬حاولنا‭ ‬تأويل‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬حشر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يعادون‭ ‬وحدتنا‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬الضيقة،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬إراقة‭ ‬ماء‭ ‬وجههم،‭ ‬وإنما‭ ‬يرشدهم‭ ‬بأخلاق‭ ‬الملوك‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬عليهم‭ ‬سلوكه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة‭ ‬التي‭ ‬يطالبهم‭ ‬بها‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬‮.‬
‭ ‬قدم‭ ‬المغرب،‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬ملكه‭ ‬السامي‭ ‬الأربعاء‭ ‬6‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024‭ ‬،‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬للذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الوهم‭ ‬‮.‬
‭ ‬اختار‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الذكرى‭ ‬التاسعة‭ ‬والأربعين‭ ‬لحدث‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬المظفرة،‭ ‬لكي‭ ‬يبسط‭ ‬جلالته‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬مكتسبات‭ ‬النصر‭ ‬المغربي‭ ‬الكبير،‭ ‬ولكي‭ ‬يؤكد‭ ‬جلالته‭ ‬أن‭ ‬احترام‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الشريف‭ ‬للقوانين‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬مكتسب‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مكتسباته،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬التفريط‭ ‬في‭ ‬ثابت‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ثوابته‭ ‬‮.‬
‭ ‬نعم،‭ ‬لسنا‭ ‬دولة‭ ‬مارقة،‭ ‬مثل‭ ‬الآخر،‭ ‬ولا‭ ‬نحن‭ ‬حادثون‭ ‬أو‭ ‬طارئون‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬خارجون‭ ‬من‭ ‬جبة‭ ‬استفتاء‭ ‬استعماري‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود‭ ‬بداية‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولكننا‭ ‬حين‭ ‬الحزم‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬وطننا‭ ‬وقضاياه،‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نمر‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬سرعة‭ ‬قصوى‭ ‬يتصورها‭ ‬أي‭ ‬كان‭ ‬‮.‬
‭ ‬وقديما‭ ‬قالها‭ ‬من‭ ‬يعرفون‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬جيدا‭ ‬وصادقوا‭ ‬عليها‭ ‬أيما‭ ‬تصديق‭ ‬‮:‬‭ ‬لا‭ ‬تحاولوا‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تجربوا‭ ‬أو‭ ‬تختبروا‭ ‬غضب‭ ‬هذا‭ ‬الحليم‭ ‬المغربي،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬سترونه‭ ‬منه‭ ‬لن‭ ‬يسركم‭ ‬نهائيا‭ ‬‮.‬
‭ ‬هذه‭ ‬انتهينا‭ ‬منها،‭ ‬وقال‭ ‬لنا‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬‮”‬‭ ‬نعم‭ ‬،‭ ‬حان‭ ‬فعلا‭ ‬وقت‭ ‬الانتهاء،‭ ‬والمرور‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الفعلي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وتمكين‭ ‬إفريقيا‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الخير‭ ‬والتقدم‭ ‬بفضل‭ ‬التعاون‭ ‬المغربي‭ ‬الصادق،‭ ‬غير‭ ‬المتعالي،‭ ‬ولا‭ ‬المتعامل‭ ‬مع‭ ‬القارة‭ ‬باحتقار،‭ ‬بل‭ ‬المنتمي‭ ‬لها،‭ ‬المصرح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وكل‭ ‬زمان‭ ‬أنها‭ ‬بيتنا‭ ‬الأول‭ ‬،‭ ‬ومنها‭ ‬خرجنا‭ ‬وإليها‭ ‬سنعود‭ ‬دائما‭ ‬وفيها‭ ‬سنبقى‭ ‬‮”‬‭ ‬‮.‬
‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المرامي،‭ ‬يكون‭ ‬الخطاب‭ ‬بالخصوص‭ ‬درسا‭ ‬في‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية،‭ ‬حين‭ ‬يدعو‭ ‬جلالته‭ ‬المناوئين‭ ‬لوحدتنا‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬الأصناف‭ ‬إلى‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬نهضة،‭ ‬وما‭ ‬تنعم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار،‭ ‬وما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬أبناؤها‭ ‬من‭ ‬تعلق‭ ‬بمغربيتهم‭ ‬وثوابتهم،‭ ‬مفندا‭ ‬بالتالي‭ ‬تهافت‭ ‬وافتئات‭ ‬كل‭ ‬جهة‭ ‬مناوئة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬ليمدنا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بالعناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬للمرافعة‭ ‬عن‭ ‬صحرائنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬خلال‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬السنة‭ ‬التشريعية‭ ‬‮.‬
‭ ‬حمل‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬رسائل‭ ‬قوية‭ ‬تتعلق‭ ‬بملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬وتشبث‭ ‬أبناء‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية‭ ‬بمغربيتهم،‭ ‬وروابط‭ ‬البيعة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬الصحراء‭ ‬وملوك‭ ‬المغرب،‭ ‬وسط‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬كحل‭ ‬وحيد‭ ‬للقضية‭ ‬خارج‭ ‬الأوهام‭ ‬والأطروحات‭ ‬التي‭ ‬تجاوزها‭ ‬الزمن،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اليقظة‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬المكاسب‭ ‬ومواصلة‭ ‬التنمية‭ ‬بالمناطق‭ ‬الجنوبية‭ ‬بالروح‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬بها‭ ‬أيضا‭ ‬لتحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬والتنمية،‭ ‬من‭ ‬الريف‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء،‭ ‬ومن‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬المحيط،‭ ‬مرورا‭ ‬بمناطق‭ ‬الجبال‭ ‬والسهول‭ ‬والواحات‭ ‬‮.‬
‭ ‬هناك‭ ‬نبرة‭ ‬ثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬ومخايل‭ ‬نصر‭ ‬مؤزر‭ ‬بين‭ ‬سطوره،‭ ‬واعتداد‭ ‬ملكي‭ ‬واضح‭ ‬بما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬اختراقات،‭ ‬ومن‭ ‬إنجازات‭ ‬عظيمة‭ ‬للديبلوماسية‭ ‬المغربية،‭ ‬وترتيب‭ ‬وتوقيت‭ ‬ذكي‭ ‬للمبادرات‭ ‬والاقتراحات،‭ ‬ورسائل‭ ‬تذكر‭ ‬الشعوب‭ ‬المغاربية‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يمانع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬لها،‭ ‬وفيه‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭ ‬للنظام‭ ‬الجزائري‭ ‬كي‭ ‬يتدارك‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الميت‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬ولا‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬أزماته‭ ‬الداخلية‭ ‬بافتعال‭ ‬قضايا‭ ‬وهمية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يعترف‭ ‬بالحق‭ ‬المغربي‭ ‬المشروع‭ ‬‮.‬
‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬والانتصارات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬يرفض‭ ‬المغرب‭ ‬استغلال‭ ‬قضيته‭ ‬الأولى‭ ‬لتغطية‭ ‬دول‭ ‬على‭ ‬مشاكلها‭ ‬الداخلية،‭ ‬كما‭ ‬يرفض‭ ‬الانحراف‭ ‬بالجوانب‭ ‬القانونية،‭ ‬لخدمة‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬ضيقة،‭ ‬مع‭ ‬اعتزازه‭ ‬بالشراكات‭ ‬والالتزامات‭ ‬القانونية،‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬والسيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬‮.‬
‭ ‬إن‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬ليست‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬مشجبا‭ ‬لتعليق‭ ‬المشاكل‭ ‬الداخلية‭ ‬الكثيرة‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬المتجمد،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مطية‭ ‬لتمرير‭ ‬مغالطات‭ ‬قانونية،‭ ‬لأهداف‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬خافية‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬‮.‬
‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الرفاه‭ ‬والتقدم‭ ‬المشترك‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬فيمكنه‭ ‬أن‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬ولوج‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬لف‭ ‬ودوران‭ ‬‮.‬
‭ ‬ويؤشر‭ ‬هذا‭ ‬المنسوب‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬المنطقة‭ ‬عهدا‭ ‬جديدا‭ ‬ومنعطفا‭ ‬تاريخيا،‭ ‬وسياقات‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬تفرض‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوراق،‭ ‬وسيكون‭ ‬فيها‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إقامة‭ ‬الفرق‭ ‬المطلوب‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬المغربية،‭ ‬وبين‭ ‬الوهم‭ ‬ودعوات‭ ‬الانفصال‭ ‬والجمود‭ ‬‮.‬
‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬التطبيق‭ ‬السليم‭ ‬لقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬منذ‭ ‬2017‭ ‬التي‭ ‬أبعدت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بمقترح‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬وحددت‭ ‬الأطراف‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬ضمنها‭ ‬الجزائر،‭ ‬ودعتها‭ ‬إلى‭ ‬استئناف‭ ‬جولات‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المقترح‭ ‬المغربي‭ ‬بتمتيع‭ ‬سكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬بحكم‭ ‬ذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬‮.‬
‭ ‬إن‭ ‬عودة‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المقترح‭ ‬المغربي‭ ‬بتمتيع‭ ‬سكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬بحكم‭ ‬ذاتي‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬‮.‬
‭ ‬إن‭ ‬عودة‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة‭ ‬،‭ ‬وإذعانها‭ ‬إلى‭ ‬المنتظم‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبرها‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬،‭ ‬سيعطيان‭ ‬مشروعية‭ ‬لقرارات‭ ‬هذا‭ ‬المنتظم‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬نقطة‭ ‬نهاية‭ ‬لمسار‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬والتحايل‭ ‬والتلاعب‭ ‬بمؤسسات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شرذمة‭ ‬تريد‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬‮.‬
‭ ‬لقد‭ ‬قالها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك،‭ ‬ونعيدها‭ ‬معه‭ ‬‮”‬‭ ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬‮”‬‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬حسمه‭ ‬النهائي،‭ ‬اليوم‭ ‬قبل‭ ‬الغد‭ ‬‮.‬
‭ ‬وفي‭ ‬الخطاب‭ ‬التفاتة‭ ‬ملكية‭ ‬سامية‭ ‬إلى‭ ‬مغاربة‭ ‬العالم،‭ ‬وتذكير‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬بأفضال‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬غادروا‭ ‬المغرب‭ ‬ولم‭ ‬يغادرهم‭ ‬هو،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬المسام‭ ‬منهم،‭ ‬لا‭ ‬ينبض‭ ‬عرق‭ ‬واحد‭ ‬دواخلهم‭ ‬إلا‭ ‬باسمه‭ .‬

 

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 11/11/2024