خمس ملاحظات حول مذكرة المدعية العامة

نوفل البعمري

تقدمت، يوم الخميس 21 مارس 2024، المدعية العامة بالمحكمة الاستئنافية للعدل الأوروبية، بمذكرة ملاحظاتها حول الطعن الذي تم تقديمه في الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة العدل الأوروبية في اتفاقية الصيد البحري والتبادل الفلاحي التي تم توقيعها سنة 2018 بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهي الاتفاقية التي يحاول «اللوبي» الاقتصادي والسياسي الموالي للبوليساريو إبطالها ومحاولة دفع القضاء الأوروبي إلى القول بأنها غير شرعية وباطلة من الناحية القانونية، وهو ما فشلت فيه في عدة محاولات سابقة، وتريد هذه المرة دفع المحكمة الأوروبية إلى استصدار حكم قضائي يُبطل هذه الاتفاقية.
مذكرة المدعية العامة التي قدمت فيها استنتاجاتها ومطالبها للمحكمة، «هلل» لها الخصوم، واعتبروها مقدمة «قانونية» لدفع المحكمة الأوروبية إلى إبطال هذه الاتفاقية التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والمشتملة للأقاليم الصحراوية الجنوبية، ويمكن إبداء بعض الملاحظات حولها:
المذكرة التي تقدمت بها المدعية العامة جاءت بعد نشر وتعميم تقرير اللجنة البرلمانية الأوروبية التي أنجزت تقييماً اقتصادياً للاتفاقية، وخلصت إلى أن «سكان إقليم الصحراء الغربية» يستفيدون من عائدات هذه الاتفاقية اقتصادياً واجتماعياً، وعدَّدَ التقرير العديد من المنجزات التنموية التي شهدتها الأقاليم الصحراوية سواء على مستوى البنية التحتية، أو إعادة هيكلة الاقتصاد البحري والفلاحي المحلي من خلال استثمار مداخيل هذه الاتفاقية في تطوير هذين القطاعين بالمنطقة، وبالتالي مذكرة المدعية العامة جاءت باستنتاجات نظرية مخالفة، في واقعية ما توصلت إليه اللجنة البرلمانية في تقريرها، مما يجعلها مذكرة معيبة شكلاً ومضموناً لأنها قدمت خلاصات افتراضية غير واقعية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ومن حيث الأثر الإيجابي الذي خلَّفته هذه الاتفاقية على المنطقة.
مذكرة المدعية العامة، حسب ما جاء في مضمونها، «غير ملزمة» لا للمحكمة ولا لأطراف النزاع القضائي، مما يجعلها دون أثر قانوني، ولا قضائي، وحسب الملاحظات التي تضمنتها المذكرة، أن دورها هو تقديم «المقترحات»، بمعنى أننا أمام مرافعة شكلية ولا يمكن اعتبارها جزءاً من صناعة القرار القضائي الأوروبي، سواء في هذا الملف أو في غيره من الملفات التي تعرض أمام المحاكم الأوروبية، بالتالي على عكس ما تم الترويج له، نحن أمام طرف من أطراف الدعوى تقدم بمذكرته دون أن تكون لهذه المذكرة أية حجية قانونية ذات أثر قضائي.
المدعية العامة اعتبرت، بشكل واضح، أن تنظيم البوليساريو لا يمثل «شعب الصحراء الغربية» بل هو يمثل حسب نص المذكرة «جزءاً من شعب الصحراء الغربية»، وهي بذلك تُقر بكون تنظيم البوليساريو لا يمثل ما يسمى «بالصحراء الغربية» مما يجعل من استنتاجاتها غير منطقية وغير موضوعية، إذ كيف تتوصل لخلاصات وتقدم مقترحات بناءً على ما تقدم به تنظيم هي نفسها تعتبره «لا يمثل حل الشعب الصحراوي»، مما يجعل رأيها غير محايد، وغير مستقل ومتناقض مع المبادئ التي يحب أن تشتغل عليها، كما يجعل من القانوني طرح السؤال حول رأي باقي الفاعلين في «الصحراء الغربية» من منتخبين محليين، ومجتمع مدني، وتنظيمات سياسية معارضة للبوليساريو وفعاليات مدنية متواجدة بأوروبا ولها رأيها السياسي المتناقض مع تنظيم البوليساريو، ألم يكن من الموضوعي وحتى تظل المدعية العامة منسجمة مع طبيعة مهمتها القانونية أن تأخذ بعين الاعتبار رأي كل هؤلاء لتكوين موقف قانوني سليم ومنسجم مع غالبية الرأي العام الصحراوي بمختلف مكوناته، خاصة المنتخبين منهم والفاعلين الاقتصاديين المحليين، مادامت هي نفسها أقرت في مذكرتها أن تنظيم البوليساريو لا «يمثل كل الشعب الصحراوي!؟!
المدعية العامة في مذكرتها لم تستند إلى أسباب اقتصادية واضحة في تبرير طلبها برفض الطعون التي تم تقديمها من طرف الاتحاد الأوروبي، إذ حاولت الاستناد إلى كون المنتجات القادمة من الأقاليم الصحراوية الجنوبية لا تشير إلى «الصحراء الغربية كبلد منشأ»، وهذه مغالطة حقيقية استندت إلى معطى سياسي وليس إلى معطى اقتصادي حقيقي، بحيث أن «الصحراء الغربية» ليس «بلدا» بل هو مجال جغرافي حيث تتموقع الصحراء «الغربية» جنوب المغرب، ولا يُعتبر هذا المجال الجغرافي «بلداً» بمفهومه القانوني، ولم يسبق أن كانت هناك «دولة» تحت مسمى «الصحراء الغربية» حتى تعتبرها المدعية العامة «بلد منشأ»، كما يجعل تعاطيها مع «الصحراء الغربية» كمجال صحراوي جغرافي تعاطيا سياسيا، وليس اقتصاديا ولا مستقلا، كما أن تنظيم البوليساريو أعلن عن تأسيس كيانه الوهمي ما يسمى « بالجمهورية الصحراوية» خارج الأقاليم الصحراوية الجنوبية، ويتواجد داخل مخيمات تندوف بالتراب الجزائري، وليس داخل الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وهو معطى سياسي وواقعي قفزت عليه المدعية العامة وتجاهلته لمحاولة إيهام قضاء المحكمة الأوروبية الاستئنافية بأن «إقليم الصحراء الغربية» هو كيان «دولتي» في حين أن الجغرافيا والتاريخ يقولان إن الأمر يتعلق بمجال جغرافي وموقع هذا الجزء من الصحراء جنوب المغرب غرب «الصحراء الشرقية «!!
المدعية العامة أقرت بكون المغرب هو الدولة «التي تدير إقليم الصحراء الغربية»، هذه الإدارة تخول للمغرب حسب القانون الدولي -هو ما قفزت عليه- أن تمتد هذه الإدارة لتدبير الشؤون السياسية والاقتصادية لهذه الأقاليم اعتباراً لكون «إقليم الصحراء الغربية غير متمتع بالحكم الذاتي»، مما يجعل من المغرب الإدارة الوحيدة المعترف بها كمخاطب أثناء توقيع الاتفاقيات المشتملة على الأقاليم الجنوبية، خاصة وأن المدعية العامة نفسها أكدت أن تنظيم البوليساريو لايمثل الإقليم ولا ما يسمى «بالشعب الصحراوي»، مما يجعلها تسقط في فخ دعاية البوليساريو وخصوم المغرب، ولا تتبنى رأياً قانونياً سليماً، بل موقفها متناقض مع القانون الدولي خاصة رأي الاستشاري كولر الذي أجاز للدول التي تدير الأقاليم التي هي في نفس الوضع القانوني للأقاليم الجنوبية أن تدبر اقتصادها المحلي بشرط أن تستفيد المنطقة من عائداتها، وهو الأمر الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية بحيث سبق للجنة البرلمانية الأوروبية سنة 2017 أن قدمت توصياتها بتجديد الاتفاقية مع المغرب كون سكان الأقاليم الصحراوية الجنوبية يستفيدون من عائدات الاتفاقيات التي يوقعها المغرب، والتي تكون الأقاليم الجنوبية جزءاً منها، وهو نفسه ما توصّلت إليه في تقريرها الذي أنجزته عن مدة الاتفاقية ما بين سنتي 2018 و 2023، وهي مدة الاتفاقية الأخيرة، مما يجعل موقف المدعية العامة متناقضاً مع القانون الدولي، ومع الواقع الاقتصادي، ومع موقف اللجنة البرلمانية الأوروبية التي زارت المنطقة.
هذه بعض الملاحظات التي يمكن التعقيب بها على مذكرة المدعية العامة، وهي ملاحظات توضح المغالطات التي قدمتها في استنتاجاتها، كما تشير بوضوح إلى تناقضاتها الداخلية، وإلى تعارضها مع القانون الدولي مما يجعلها تستند إلى معطيات سياسية أكثر منها قانونية وغير جديرة بالاعتبار.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 25/03/2024