رحم الله الجامعة المغربية…عاشت الجامعة المغربية

إدريس جـبـري

 

«إن «الحياة الحقيقية» موجودة خارج أسوار الجامعة، ولكن الجامعة هي التي تعلمنا كيف نلج هذه الحياة، إنها فضاء حر يتعلم الطلبة داخله كيف يتعايشون مع كل الأفكار، ويقبلون بعضهم البعض». وهو أيضا الفضاء الذي تُنتَج داخله القيم التي يعيش بها الناس في العمل وفي الفضاء العمومي… «سعيد بنكراد، وتحملني حيرتي وظنوني، ص149.
من الواضح إذن. أن كل طالب أجنبي أتى بهدف التكوين في جامعة غربية، لا بد وأن يزخر تحت ثقل تاريخ مزدوج، تاريخه هو، وتاريخ البلد الذي يستقبله». عبد لله العروي، بين الفلسفة والتاريخ، ص26.
في مصادفة التأليف: شكرا للسعودية لما انتهى الراحل محمد عابد الجابري من رباعية نقد العقل العربي، وخاصة حلقته الرابعة المتمثلة في كتابه، العقل الأخلاقي العربي (2001)، أحسّ بشبه نشوة « مثل تلك التي تنتاب المتجول في غابة عند بلوغه مخرجا من مخارجها»( مدخل إلى القرآن، ص14)؛ لكن سؤال: وماذا بعد؟ ظل مطروحا عليه، وبإلحاح؟ فتعددت الاقتراحات، وتشعبت الاحتمالات، إلى أن أنهى الحيرة صديقه السعودي على متن سيارته نحو الرياض، مقترحا عليه، وبصيغة سؤال:» لماذا لا يكون الكتاب القادم في القرآن»؟ وكذلك كان، خاصة بعد هجمات 11 شتنبر 2001، و»ما تلا ذلك من أحداث جسام»، التي عجلت بانصراف الجابري إلى التفكير والتأليف في «مدخل إلى القرآن». تلك كانت مجرد مصادفة زعزعت اليقين، واخترقت الحتمية…
كذلك حال كتاب، وتحملني حيرتي وظنوني، لسعيد بنكراد، مع مراعاة الفوارق بين الكتابين والمصادفتين وحيثياتهما. فما كان لهذا الكتاب أن يخرج إلى الوجود لولا المصادفة ومنطقها المفارق. فقد اتصل طالب من السعودية بالكاتب يطلب منه أن يمده ب «سيرة مختصرة عن مساره العلمي كان جزءا من عمل سيقدمه إلى أستاذه المشرف على الدكتوراه»، فكتب له «بعض الصفحات حول هذا المسار، خاصة الفتـرة التي كان فيها في باريس»؛ لكن لم يتوقف، كما قال، وكان من المفترض أن يتوقف، وما كان ينوي أن يجد نفسه ينساق «مع حبل الذكريات» فانساق، حتى بدأت، على حد تعبيـره، «معالم سيرة فكرية ترتسم أمامي وتتخذ الشكل الذي أقدمها من خلاله اليوم إلى القراء». (ص15). تلك حكمة المصادفة فقط، اجتمعت أركانها، بدءا بطلب الطالب السعودي، ومرورا برغبة الكاتب في الانسياق مع حبل الذكريات، وانتهاء عند قرار السلطات «تطبيق حجر صحي» والبقاء في المنازل فرصة للتفرغ لكتابة هذه السيرة الفكرية. ألم يصبح سعيد «اليتيم تلميذا بالمصادفة وحدها»؟ (ص22). إنها مجرد مصادفة متدرجة بأسرارها المتعالية.
وفي كل الحالات، فهي مصادفة خيـر، إذ كانت الأولى وراء إصدار رباعية في نقد الخطاب الديني للجابري، استجابة لطلب باحث سعودي، أو على الأقل، باقتراح منه، وبمصادفة هجمات 11 شتنبر 2001، على نيويورك، وكانت الثانية، سبب خروج هذه السيرة لسعيد بنكراد، إلى الوجود، استجابة لملتمس طالب باحث سعودي يريد أن يخوض تجربة البحث العلمي في أعمال بنكراد، وبمصادفة الحجر الصحي الذي فرض على الكاتب البقاء في المنزل والتفرغ لكتابة سيرة تكوين، جامعي مثقف متشبع بقيم اليسار، ومؤمن بإنسانية الإنسان وكرامته، وحالم «صوفي» بوطن تسوده الحرية والديمقراطية، ويحكمه حاكم يسود ولا يحكم، وعلى أساس رؤية نقدية، ونفسٍ سياسي، ومرجعية سميائية، تسائل الذات والسياسة والدين والتاريخ والمجتمع والنقابة والمدرسة والجامعة، بل والفرح والقلق والأمل والمتعة…

الكاتب : إدريس جـبـري - بتاريخ : 01/10/2022

التعليقات مغلقة.