رغم التوقعات بمنتوج جيد من الزيتون .. قرارات الحكومة ومخاطر الجفاف تربك القطاع، والمنتجون غير مطمئنين على مستقبلهم

نورالدين زوبدي

يشهد قطاع الزيتون في المغرب تحديات متزايدة تهدد استقراره ومردوديته، رغم كونه أحد الأعمدة الأساسية للصناعات الغذائية بالمملكة. فبين تداعيات الجفاف الحاد وقرار الحكومة القاضي بفتح الباب أمام استيراد الزيوت الخارجية دون رسوم جمركية، يعيش المنتجون المحليون وضعًا غير مستقر ينعكس سلبًا على الإنتاج وعلى الاقتصاد القروي برمته.
يُعد إنتاج زيت الزيتون ومشتقاته قطاعًا استراتيجيًا في المغرب، إذ يوفر فرص شغل لآلاف اليد العاملة، سواء في المعاصر التقليدية أو العصرية التي شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. ورغم الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها هذا القطاع، إلا أنه لا يحظى بالحماية الكافية من المنافسة الخارجية، ولا بالدعم اللازم لمواكبة تطور السوق وتحقيق قيمة مضافة تُعزز فرص الشغل وتحفّز الفلاحين على مواصلة الإنتاج.
انتشار غرس أشجار الزيتون عبر مختلف جهات المملكة لم يكن عشوائيًا، بل نتيجة طبيعية لمردودية هذه الشجرة وقدرتها على مقاومة الجفاف، إلى جانب الأفق الواعد الذي تتيحه في السوق الدولية. فالمغرب يمتلك إمكانيات كبيرة لمنافسة دول رائدة في المجال كإسبانيا وتونس، علمًا أن إسبانيا وحدها تستحوذ على حوالي 50% من صادرات زيت الزيتون عالميًا، وتحقق عائدات تفوق 3 مليارات يورو سنويًا.
ورغم هذه المنافسة القوية، فإن المغرب يتوفر على فرص حقيقية لتعزيز صادراته، خاصة في ظل ارتفاع الرسوم الأمريكية المفروضة على الزيوت الإسبانية إلى 30%، ما يفتح المجال للزيوت المغربية لدخول السوق الأمريكية بشروط تفضيلية.
إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فقد يتعرض مستقبل قطاع الزيتون بالمغرب للخطر. فإقبال الفلاحين في السنوات الأخيرة على غرس أشجار الزيتون لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة للأرباح المشجعة التي بدأ يحققها هذا النشاط الفلاحي. لذلك، أصبحت حماية هذا القطاع ضرورة ملحّة، ليس فقط لما له من أهمية في تشغيل اليد العاملة وتنشيط الاقتصاد القروي، بل أيضًا لما يمكن أن يوفره من عائدات من العملة الصعبة، خاصة مع تزايد الإنتاج وتحسن أساليب التثمين التي ترفع من جودة الزيت المغربي وتجعله مؤهلاً أكثر للمنافسة في الأسواق العالمية.
ومن جهة أخرى، فإن الوزارة الوصية، ممثلة في وزارة الفلاحة، مطالبة عبر مؤسسة أونسا (ONSSA) ببذل مجهودات إضافية في مراقبة عمليات الإنتاج والتسويق، حفاظًا على جودة المنتوج وسلامة المستهلك، خصوصًا بعد تسجيل حالات غش خلال الموسم الفارط. ورغم ضعف الإمكانيات اللوجستية وقلة الموارد البشرية التي تعاني منها هذه المؤسسة، إلا أن الوضع يتطلب تكثيف الرقابة وتعزيز آليات التتبع، حتى يصبح القطاع محصنًا وقادرًا على الصمود أمام مختلف التحديات.
وفي هذا السياق، يصبح من الضروري التفكير في خلق وسائط وهيئات مؤسساتية مدعومة من الدولة تُعنى بتشجيع التسويق وتثمين المنتوج، على غرار ما هو معمول به في دول رائدة مثل تونس، التي أنشأت المكتب الوطني لزيت الزيتون، أو إسبانيا التي تدعم التعاونيات الفلاحية لضمان جودة التسويق والتصدير. مثل هذه المبادرات من شأنها أن تعزز موقع زيت الزيتون المغربي دوليًا، وأن تجعل هذا القطاع رافعة حقيقية لنهضة الفلاحة والصناعة الغذائية، وتؤهله للعب دور محوري في التنمية الاقتصادية والتجارية للبلاد.
هذه السنة، يُتوقع أن يكون المحصول جيدًا، رغم تضرر عدد من الحقول في مناطق العطاوية وأوطاط الحاج نتيجة تساقط البَرَد الذي أثر على جزء من الإنتاج، ما سيمكن من إعادة تشغيل المعاصر، وتنشيط سوق الشغل بالحقول، وتحريك عجلة الاقتصاد في العالم القروي، خاصة بعد سنوات من الجفاف المتتالي. لكن تحقيق هذه الأهداف يبقى رهينًا بقرارات حكومية جريئة، توازن بين حماية السوق المحلية وتشجيع الإنتاج الوطني، بدل فتح المجال أمام الزيوت المستوردة التي تهدد استقرار القطاع، وتؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 13/09/2025