زيارة ماكرون إلى الجزائر…كثير من الجعجعة، قليل من الطحين

عزيز الساطوري

واصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى الجزائر، التي ستختتم يومه السبت، زيارة أكدت مختلف التحاليل أنها ذات أهداف متباينة سواء من الجانب الفرنسي أو الجزائري، حيث يضع كل جانب نصب عينيه ما يعتبره أولوياته خصوصا في السياق الإقليمي والدولي الحالي، وقد بدا ذلك واضحا من خلال الندوة الصحافية التي عقدها الرئيسان، والتي لم تعقبها أسئلة الصحافيين، تجنبا لما يمكن أن يثيره ممثلو وسائل الإعلام من قضايا خلافية بينهما.
ولعل أبرز ما سجله المراقبون، ما تطرق إليه الرئيس الجزائري خلال حديثه عن أن المحادثات التي أجراها مع ماكرون تطرقت إلى «الأوضاع الأمنية والسياسية ذات الاهتمام المشترك، على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث تبادلنا وجهات النظر حول عديد من القضايا الهامة بالنسبة للبلدين خصوصا الوضع في ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء الغربية التي تستدعي تضافر الجهود من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة» على حد تعبيره.
وإذا كان هذا هو ما تطرقت إليه المحادثات بين الطرفين، حسب الرئيس الجزائري، فإن الرئيس الفرنسي قدم رواية أخرى مغايرة، حيث أشار إلى أن المحادثات بينهما تطرقت إلى الأزمات التي تعرفها المنطقة، وحددها في الوضع بالساحل ومالي والحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيرها على إفريقيا والعالم، والتي اعتبرها ذات أولوية بالنسبة لبلاده.
وبحسب مختلف المتتبعين، فإن ما جاء على لسان الرئيس الجزائري ثم الفرنسي خلال هذه الندوة، يعكس الخلاف على صعيد أولويات كل طرف، كما أنه يعكس أيضا تباين وجهات النظر بينهما في ملفات ستظل عالقة، ولن يتمكنا من التوافق حولها، بسبب اختلاف المصالح والاستراتيجيات، ففرنسا لا تنظر بعين الرضا إلى مواقف الجزائر بالنسبة للأزمة الليبية، ولا بالنسبة لموقفها من الحرب على أوكرانيا بسبب علاقاتها مع روسيا، كما أنها لا تتبنى موقف الجزائر بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
بالإضافة إلى ذلك، سجل عدد من المتتبعين الإصرار الجزائري على بناء « علاقات استراتيجية» مع فرنسا، وهو ما شدد عليه الرئيس الجزائري خلال الندوة الصحافية، في الوقت الذي اكتفى الرئيس الفرنسي بالحديث عن «الشراكة الجديدة»، التي حددها في مجالات الثقافة، الفنون، الرياضة وبعض قضايا التعاون التي تطرق إليها.
اختلاف المصالح وتباين الأهداف هو ما يجعل الطموح نحو بناء هذه «العلاقات الاستراتيجية» لا يتعدى الرغبة المعلنة. فإذا كانت التطورات التي يعرفها العالم والمنطقة قد دفعت بالبلدين إلى محاولة إيجاد نقاط للتقارب، بعد أشهر من شبه قطيعة بينهما، إلا أن هذا الطموح يصطدم بمصالح كل منهما على المدى المتوسط والبعيد، ولعل المتتبع لتاريخ العلاقات بين البلدين، سيدرك أنها كانت دائما مطبوعة بفترات قصيرة من التقارب، تليها فترات طويلة من التصادم.
كما أن الجزائر الحالية، التي اختارت القطيعة مع المغرب رغم اليد الممدودة، والاصطدام مع إسبانيا بسبب موقفها المؤيد للمغرب بخصوص نزاع الصحراء المفتعل، ومواقفها في عدد من بؤر التوتر في المنطقة، لا تجعل منها ذلك الحليف الذي يمكن أن يؤتمن للمساهمة في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما تحتاجه القوى العظمى، التي تواجه تحديات في مناطق أخرى من العالم، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، لتبقى أهميتها الوحيدة بالنسبة لهذه القوى، أنها دولة منتجة ومصدرة للغاز، ليأتي تحركها باتجاه الجزائر من أجل ضمان استمرار تصديره.
ومن بين الأدلة على ذلك، ما صرح به أول أمس وزير الرئاسة الإسبانية فيليكس بولانيوس، خلال زيارة له إلى باريس، عندما قال إن مدريد ليست بحاجة إلى تدخل باريس في محاولة للصلح بين إسبانيا والجزائر، مؤكدا أنه «نعتقد أن الجزائر شريك مستقر لإسبانيا من حيث إمدادات الغاز ونريد تعزيز تلك العلاقة».
هذه المعطيات تؤكد أن الصخب الذي رافق هذه الزيارة يفوق حجمها، وأن ما علق عليها من آمال، يفوق بكثير الحقائق على الأرض وما تفرزه الأوضاع على صعيد صراع القوى والمصالح والوزن الاستراتيجي لدول المنطقة.

الكاتب : عزيز الساطوري - بتاريخ : 27/08/2022

التعليقات مغلقة.