طريق ملكي نحو المستقبل

عبد السلام المساوي

هناك إجماع وطني يوحد المغاربة حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، وأولها « الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها «. وثانيها، مواصلة الخيار الديموقراطي والتنموي بعزم وثبات.
يقول جلالة الملك عن الملكية المواطنة « يعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة . لذلك أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة .»
على المتتبع للوضع المغربي، خصوصا الأجانب غير المطلعين على تاريخ المغرب جيدا ويسارعون إلى انتقاد الملكية والنظام، أن يعلموا أن الملكية في المغرب نظام عرف تجارب وأخذ دروس التاريخ، فالملكية متعددة القرون « multiséculaire « تعايشت مع حركات مناوئة « antagonistes « وأخرى صديقة عبر تاريخ نشأتها وتطورها، تفاعلت مع الزوايا واحتجاجاتها، تعاملت مع بلاد السيبة وبلاد المخزن، تجنبت الصدامات الخارجية والدولية وتفادت القوى الدولية والإقليمية….
إن الملكية في المغرب عاشت الاستعمار الأوروبي والحجر الأجنبي، تفاعلت مع مختلف الأيديولوجيات السياسية والأفكار الاجتماعية الإنسانية من تصوف وتشيع ومذاهب دينية وسياسية كثيرة، تجاذبت مع الأيديولوجيات اليمينية واليسارية وعاشت على وقع الصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي زمن الحرب الباردة، تمرست على التعامل مع حركات الانفصال وأفكاره، في محطات تاريخية مهمة ومفصلية، كلها محطات قوت الملكية، وشكلت عقلها الباطن، وكانت بمثابة خزان للأعراف والتقاليد في تدبير العقليات والأزمات ….
إن الملكية تمثل النظام الوحيد الذي جمع ووحد المغاربة حول مشروع وطني لبناء الدولة من منطق مغربي خالص، في غياب أي تصورات أو مشاريع يمينية أو يسارية أو غيرها حقيقية للبناء . فهي المؤسسة الوحيدة، التي استطاعت أن توفق بين التاريخ والحاضر من أجل المستقبل، بدون حسابات شخصية أو سياسوية، وإلا كان مصيرها كعدد من الأنظمة في فضائنا العربي والثقافي والجغرافي : الاندثار والتفكك والتطاحن الدموي ….
إن الملكية هي المؤسسة الوحيدة التي أتقنت فنون تدبير التناقضات الداخلية والخارجية، وخلقت توازنا لاستمرار الدولة والمجتمع، فالملكية المغربية هي ملكية تدبيرية وليست تنفيذية كما يقول البعض، ذلك أن الملك يضع التصورات الكبرى ويرسم الخطوط العريضة ليس فقط لتدبير مرافق الدولة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية وإنما أيضا يحدد هوامش التفاعل مع المجتمع ومختلف الأفكار الرائجة فيه …
إن حملات الهجوم التي تشنها بعض وسائل الإعلام الفرنسي تنم عن وجود قصور في استيعاب طبيعة النظام السياسي للمغرب من جهة، ومن جهة ثانية بـ» عقدة « تجعل الواقفين وراء هذه الحملات الإعلامية يتحركون كلما عززت الرباط موقعها داخل القارة الإفريقية واتخذت مواقف دبلوماسية مستقلة تجاه عدد من القضايا الدولية كما هو الحال بالنسبة لليبيا واليمن …
فكلما حقق المغرب وملك المغرب بجهده الخاص توسيعا لمجال شراكاته الدولية، خصوصا في إفريقيا، وكلما حافظ على استقرار قراره السياسي في العلاقات الدولية بدون اندفاع مصلحي ضيق، وكلما رفض المغرب الانحياز إلى جبهات متصارعة كما يحدث في ليبيا واليمن مثلا، نجد أصواتا إعلامية تدع كل المنجزات جانبا وكل المكتسبات التي حققها المغرب كدولة، وتهاجمه ورموزه من خلال إثارة مسائل خاصة أو شخصية لا علاقة لها بجوهر التحليل والنقد الموضوعي ….
إن علاقات المغرب بفرنسا هي علاقات لم تصنعها المصالح المتبادلة فقط، بل صنعها التاريخ والعلاقات الإنسانية العميقة الموجودة بين الشعبين …
على الإعلام الفرنسي، على بعض وسائل الإعلام الفرنسي خصوصا، المعادية للمغرب والمسيئة لثوابته ومقدساته ظلما وبهتانا، عليها أن تنزل إلى الأرض، أرض الواقع، واقع فرنسا وأوروبا، أن تنزل بمهنية وموضوعية واستقلالية، أن تهتم نقديا بمشاكل فرنسا وأوروبا، وهي لا تحصى عددا وخطورة، الشعبوية وارهاب اليمين المتطرف، الإقصاء والعنف، الهجرة والعنصرية، الانغلاق والشوفينية، البطالة والفساد، فضائح مسؤولي الدولة المالية والأخلاقية، تدخلات مؤدى عنها في دول تواجه الانهيار، رشاوى رجال الدولة من قبل حكام عرب فاسدين…
على وسائل الإعلام هذه أن تركز على مشاكل بلادها وقارتها، عليها أن تلتفت أحيانا إلى دول قريبة منا أو في محيطنا العربي، والتي تواجه مشكلة وجود، احتجاجات جماهيرية في مستوى خطورة الاحتجاجات التي عرفتها فرنسا…
المغرب بقيادة محمد السادس يشق طريقه نحو المستقبل ، وهو طريق ملكي …يشتغل، يفتح الأوراش الكبرى …وعندما تكون هناك اختلالات فهو أول من ينبه إليها وعليها ولا ينتظر بعض وسائل الإعلام الفرنسية المرتزقة والمبتزة …الملك يشخص ويقترح الحلول والبدائل في إطار « البيعة المتبادلة بين العرش والشعب «…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 25/01/2023

التعليقات مغلقة.