عبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران

عبد السلام المساوي

-1 عبد الرحمان اليوسفي والتأسيس لدولة الحق والقانون

لقد عمل الاتحاد الاشتراكي على تأصيل المفاهيم وزرعها بذكاء في أرض المغرب، فعندما يتحدث، مثلا، عن دولة الحق والقانون، فهو يعني بأن هذا المفهوم ليس شعارا يرفع أو كلاما للاستهلاك، بل هو ممارسة وسلوك، لذلك ناضل الاتحاد الاشتراكي وعمل على نقل هذا المفهوم من مستوى التنظير إلى مستوى الفعل، فمع أواخر حكومة التناوب، قدم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي حصيلة العمل الحكومي للمرحلة التي قاد فيها الوزارة الأولى، ويكفي أن نلقي نظرة موجزة على المحاور الستة لحصيلته لنتأكد من صدق النظرية والتطبيق وتكاملهما في الخطاب الاتحادي.
– ترسيخ حقوق الإنسان وتخليق الحياة العامة؛
– إصلاح النظام التربوي وتكافؤ الفرص أمام التربية والتكوين؛
– التنمية والاستثمار وإنعاش الشغل؛
– التنمية الاجتماعية والتضامن؛
– عقلنة تدبير الشأن العام؛
– تنشيط العمل الديبلوماسي؛
إنها محاور تدل بوضوح على أن الهاجس الأساسي يتمثل في إرساء دعائم دولة الحق والقانون وإدخال قواعد جديدة في مجال تسيير الشأن العام، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي .
لقد انطلقت حكومة التناوب من أولويات عامة كانت توجه عملها؛ إنجاح الانتقال الديموقراطي، إنجاح الانتقال للعرش، إعادة هيكلة مؤسسات تسيير الشأن العام، إحداث قطيعة مع التجارب السلبية السابقة، القضاء على الموروثات السلبية …لنلاحظ أن الأمر لا يتعلق ببرامج محددة أو قصيرة المدى، ولكن ببرنامج شامل يغلب عليه الطابع السياسي .
لقد كان واضحا منذ البداية أن مهمة حكومة التناوب لم تكن تتعلق بالملفات الصغرى، ولكن أساسا بوضع البلاد في سكة جديدة.
إن الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، هنا، كان يدشن للعمل التنموي من خلال المدخل السياسي المعتمد على إيلاء مكانة خاصة لدولة الحق والقانون وللإنسان باعتباره المحور الأساس لكل إصلاح اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي. وهكذا تم فتح ورش متعدد الجوانب في مجال الحريات العامة والفردية وإصلاح العدل، والعلاقة بين الإدارة والمواطن، وتمجيد القضاء من خلال تنفيذ الأحكام وفرض احترامها من الفرد والدولة على السواء، وفي مجال النهوض بشؤون المرأة، وحماية حقوق الطفل، والحد من الفوارق الاجتماعية ومحاربة الفقر، وفي مجال تخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد والرشوة.
وهكذا يتبين وبالملموس، أن الاتحاد الاشتراكي، عندما يرفع شعارا أو ينتج مفهوما أو يطرح برنامجا سياسيا، فليس بغرض التغليط والتمويه، الضجيج والبهرجة، وليس بغرض دغدغة عواطف الجمهور والسيطرة على مشاعره وكسب أصواته…
إن مفاهيم الاتحاد الاشتراكي نابعة من وعي نظري عميق وقابلة لتجريب عملي مسؤول …من هنا كانت هذه المفاهيم، وفي كل مرة، ثورة في حقل سياسي يطغى عليه العقم والجمود، الاجترار والرتابة…

2 – عبد الإله بنكيران؛ من المتاجرة بالدين إلى المتاجرة بالفقر

حدث أن كانت سابقة في التاريخ المغربي: لأول مرة يخرج رئيس حكومة سابق ليبلغ عموم الناس أنه طلب من زوجته مهلة ثلاثة أشهر لتسوية أحواله المالية، وأنه شرع في البحث عن عمل يسد به رمقه …
بالنسبة لمنتقديه، ما أقدم عليه رئيس الحكومة السابق من تباكي أمام عموم الناس لا يليق برجل كان مسؤولا كبيرا في الدولة، وآخرون لم يصدقوا كيف للفقر أن يطرق أبواب سياسي كبير ظل برلمانيا لمدة تقارب النصف قرن، وقضى خمس سنوات رئيسا للحكومة، ولديه استثمارات سابقة في التعليم الخاص والتجارة .
وعاد آخرون إلى تقليب بعض صفحات التاريخ، وفي المحصلة تسجيل لعبد الإله بنكيران في بداية دخوله البرلمان يسأل فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة ع الرحمان اليوسفي، عن المعاشات الاستثنائية، ويشرح أنها غير معقولة في ظل وجود مواطنين يعانون الفقر وأن هؤلاء هم الأولى بتلك الأموال من الوزراء …
والأكثر سخرية من ابن كيران أو غضبا منه تساءلوا كيف يمكن لبنكيران، الذي أجبر الموظفين على مراجعة نظامهم للتقاعد، أن يحصل على تقاعد بقيمة سبعة ملايين سنتيم دون أن يساهم فيه ولو بدرهم واحد.
والظاهر أن حزب العدالة والتنمية استشعر حجم الحرج، الذي وضعه فيه أمينه العام السابق، ولذلك لم يتبين روايته بشأن حصوله على تقاعد استثنائي أمر له به الملك محمد السادس، ولم ينشرها في موقعه الإلكتروني الرسمي .
كان بإمكان بنكيران ألا يثير كل هذا الجدل من حوله، والذي تحول إلى انتحار رمزي لشخصه، لو أنه سلك المسطرة العادية للحصول على معاشات الوزراء، وهي المسطرة التي ينظمها القانون ويحدد شروط الاستفادة ومقدارها.
لكن ابن كيران أخبر الجميع أنه رفض التوقيع على وثائق وزارة الاقتصاد والمالية، وأنه لم يقبل بالمعاش إلا بعد أن أمر له به الملك. وبسبب ذلك فتح بابا آخر للسخرية والتهكم، وقال منتقدوه مرة أخرى إنه رفض مسطرة المعاش الحكومي، لأنها لن تدر عليه سوى أربعة ملايين سنتيم، في حين أن مسطرة المعاش الملكي تضمن له سبعة ملايين سنتيم.
لكن ابن كيران ليس رجل الماديات كي يحسب معاشه بهذا الشكل، هو رجل رمزيات سياسية، ومن قلب الفقر والمعاش الاستثنائي يريد أيضا أن يخرج برمزيات جديدة .
وفي هذه النازلة طرح السؤال التالي: لماذا رفض بنكيران معاش وزارة الاقتصاد والمالية وقبل المعاش الاستثنائي الذي أمر به الملك؟
الجواب لا يوجد في السياسة العصرية، بل في أدبيات السلاطين القدامى، كما يتصورها ويريد أن يعيشها ابن كيران، الرجل لا يريد تعويضا من الدولة، يريد تعويضا من «السلطان». وهو يعتبر نفسه قدم خدمات للملكية خلال «الخريف العربي» وليس لغيرها، وعليها أن تدفع الثمن النقدي لذلك .
وابن كيران يريد، أيضا، أن يناقش معاشه الاستثنائي بمنطق المخزن الكلاسيكي وليس بمنطق الدولة العصرية، هو يؤمن بما يسميه الدكتور عبد اللطيف أكنوش «نظام المكافآت الممول للشرعية للنظام المغربي» والذي يحصل عليه خدام «دار المخزن» بعد مغادرتهم «للعمل السياسي الإجرائي»، ولا يؤمن بنظام التعويض عن المهام الذي تعتمده بروتوكولات وقوانين الدولة الحديثة.
ووفق هذا المنطق المخزني العريق، وبروتوكولات الآداب المخزنية، أقحم ابن كيران الملك في تناقضاته الشخصية، وجعل المبادرة الملكية، وهي التفاتة إنسانية، ورقة حمراء يشهرها في وجه منتقديه، وحصنا منيعا يختفي وراءه كي لا يتحمل مسؤولية اختياراته.
ولذلك تساءل كثيرون باستغراب: كيف يمكن لكل هذه الثروة التي يجنيها حزب البيجيدي من السياسة والانتخابات أن تنتج لنا (زعيما) ورئيس حكومة سابق يكاد يصل إلى تلك المرحلة التي لا يجد فيها ما يسد به رمقه .
وفي الواقع لم تكن الحكاية حكاية فقر، كانت محاولة أخرى للمتاجرة بالفقر من أجل رسم صورة معينة في أذهان المغاربة البسطاء على بعد مسافة قليلة من انطلاق السباق الانتخابي الأكثر ضراوة».
مرة أخرى، مرات ومرات، لازمة لن نمل من تكرارها: انهيار أسطورة الطهرانية الأخلاقية للبيجيدي ولـ «كبيرهم» و«زعيمهم» عبد الإله بنكيران …الإسلاميون يؤمنون بالديموقراطية للمرة الواحدة، والمغاربة ينخدعون مرة واحدة…«ساعة البيجدي سالت»!

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 27/05/2022

التعليقات مغلقة.