عشرون سنة على الإصلاح والمناصفة

نوفل البعمري

يخلد المغرب ذكرى مرور عشرين سنة على مسلسل الإنصاف والمصالحة، وهو المسلسل الذي انطلق بخطاب الملك سنة 2009 ، الذي أعلن فيه عن تأسيس هيئة التحكيم لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة الحقوقية، التي شهدتها مرحلة ما بعد استقلال المغرب لحدود السنة التي اعتلى فيها الملك محمد السادس العرش، في خطوة اعتبرت إشارة مباشرة عن رغبة ملكية في طي الانتهاكات الماضية وفتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب كان عنصرها الأساسي هو تحقيق الانتقال السياسي والديموقراطي بعدالة انتقالية تفضي كلها لبناء مغرب جديد لعهد جديد.
وإذا كانت الحركة الحقوقية قد انتقدت الصيغة التي اتخذتها الهيئة في نسختها الأولى لكونها حصرت المعالجة في جبر الضرر المادي، فإن الدولة تفاعلت مع مختلف الملاحظات التي توصلت بها ليعلن الملك عن ميلاد «هيئة الإنصاف والمصالحة»، وهي الهيئة التي قامت بمعالجة الملفات التي توصلت بها، ونظمت جلسات استماع للضحايا، وقامت بجبر الضرر الجماعي والفردي، أضف لكل ذلك التقرير الختامي الذي تم رفعه للملك الذي تضمن مطالب حقوقية وإصلاحية قوية شكلت أرضية حقوقية أطرت مختلف الإصلاحات التي شهدها المغرب حتى منها تلك التي كانت بروح سياسية، دستور فاتح يوليوز استند إلى مرجعية حقوقية واضحة، دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجعله هيئة من هيئات الحكامة، انخراط المغرب في السياق الدولي الحقوقي…وغيرها من الإصلاحات التي كانت تجد مرجعيتها الحقوقية في خلاصات عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، هذه الهيئة التي تُعتبر وبإقرار من الأمم المتحدة واحدة من خمس تجارب ناجحة في العالم فقط، في حين أن باقي التجارب أغلبها انتهى بالفشل وبعدم تحقيق أهداف العدالة الانتقالية، مما يجعل من التجربة المغربية نموذجية في ما يتعلق بالتجارب العالمية التي يتم تسويقها، خاصة وأنها اختارت « جبر الضرر» كمفتاح لطي صفحة الماضي مما مكَّن الضحايا من الشعور بتحقيق العدالة والإنصاف.
بعد مرور عشرين سنة على تجربة الإنصاف والمصالحة، وإذا كان المغرب قد طوى سنوات الرصاص بكل ما لها وما عليها، وأصبحت من ماضيه، فإن تخليد هذه الذكرى يجعلنا نستحضر ما يلي:
هناك ملفات عائلات الضحايا، وإن كانت محصورة، مازالت تنتظر الحقيقة في مآل المختطفين والمختفين قسراً ممن لم يتم الكشف عن مصيرهم، وتم تصنيفهم ضمن مجهولي المصير، هذه العائلات حقها في معرفة الحقيقة هو حق لم يسقط ولا يمكن أن يسقط بطي الملف ككل، بل مع كل الصعوبات والتعقيدات التي شهدتها تلك الملفات فإن تفكيكها والوصول فيها إلى الحقيقة، سيؤدي للطي النهائي لهذا الملف.
حفظ الذاكرة، الذي يعد من الحلقات الأساسية في طي الملف، مازال يعرف بعض التعثر على عدة مستويات، خاصة وأن تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة كان قد أوصى بـ « الحفظ الإيجابي للذاكرة وحفظ جميع الأرشيفات في إطار قانوني- إحداث مؤسسة مكلفة بحفظ الأرشيفات وإحداث معهد مغربي للتاريخ الراهن ومتحف وطني للتاريخ»، وهي توصيات قد تم تنزيل بعضها، خاصة وأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أعلن سنة 2021 عن إنشاء «وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي». هي خطوة مهمة في هذا الباب، لكن عملية حفظ الذاكرة الجماعية كما أوصت بذلك هيئة الإنصاف والمصالحة لم تكتمل بعد بالشكل المطلوب، مما يجعل من ضرورة تحقيق هذه التوصية ذات العلاقة بالذاكرة الجماعية للضحايا وللتجربة ككل رهانا آنيا، خاصة وأنه قد مر على تجربة الإنصاف والمصالحة عقدان من الزمن مما يجعلها مدة كافية للطي النهائي لهذه التوصية.
استكمال مسلسل الإصلاح التشريعي وفقاً للمقاربة والتوصيات الواضحة التي تقدم بها تقرير الهيئة أثناء رفعه للملك، وهو التقرير الذي استبق دستور فاتح يوليوز ليطالب بضرورة الانخراط الكلي للمغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان على رأسها مصادقته على العديد من الاتفاقيات الدولية، وإذا كان المغرب فعلا قد استجاب لهذا المطلب فإن بعض البروتوكولات مازال المغرب متردد في التصديق عليها منها ما يتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، حقوق الطفل، نظام روما…وهي كلها اتفاقيات دولية حان الوقت ليكون المغرب جزءاً منها في إطار استكمال مسلسله الذي انطلق سنة 1999.
إن مسلسل الإنصاف والمصالحة هو مسلسل مستمر، تتجدد روحه بتجدد مطالب الحركة الحقوقية المغربية، وهي مطالب ظلت تناصر حماية حقوق الإنسان والنهوض بها في مختلف المستويات ليكون المغرب في مستوى تطلعاتها وتطلعات مطالبها من أجل الطي النهائي لكل ارتدادات مرحلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والانخراط الكلي في مسلسل جديد من روح الخطاب الملكي.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 12/02/2024

التعليقات مغلقة.