عنف الشرطة يسقط قانون الأمن الشامل بفرنسا

باريس - يوسف لهلالي

منذ أسبوعين، نجح الرئيس الفرنسي في الحصول على أغلبية داخل البرلمان، من أجل اعتماد قانون “الأمن الشامل” المثير للجدل رغم اعتراض أغلب نقابات الصحافة عليه.
وبدا وزير الداخلية جيرار درمنان صاحب هذه المبادرة، كمنتصر ورجل الأغلبية داخل الحزب الحاكم “الجمهورية إلى الأمام.
وهذا القانون، كان يسمح للشرطة لمنع أي شخص بمن فيهم الصحافة، من أجل تصويرها أثناء قيامها بعمليات التدخل أو مواجهة تظاهرات احتجاجية،بالإضافة إلى صلاحيات أخرى في استعمال الصورة والطائرات المسيرة، وتم اعتماد القانون في قراءة أولية ليأخذ مساره نحو الغرفة الثانية.
وتنص المادة 24 من مشروع القانون هذا المثير للجدل، على عقوبة بالسجن سنة واحدة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو لبث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع “سوء النية”.
وتؤكد الحكومة أن هذه المادة، تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن بعد حادثين شهدتهما باريس العاصمة اثر تدخل الشرطة بشكل جد عنيف بل خارج القانون، كانا كافيين لإثارة استنكار كل الطبقة السياسية بمن فيهم رئيس الجمهورية زعيم الأغلبية الحاكمة الذي كان يدعم وزير الداخلية.
الحادث الأول، هو تدخل الشرطة بشكل عنيف الإثنين 23 نوفمبر الماضي لتفكيك مخيم للمهاجرين، أقيم في ساحة الجمهورية بوسط باريس في سياق حملة إعلامية لمنظمات مدافعة عنهم. ورصدت الصحافة التدخل العنيف جدا للشرطة من أجل إخلاء متظاهرين مسالمين والناشطين المدافعين عنهم، بل إن هذا العنف لم تسلم منه حتى الصحافة.
لكن الحادث الثاني، الذي سوف يثير استنكار كل الطبقة السياسية والمجتمع الفرنسي بكل أطيافه، هو الذي حدث يوم الخميس26 نونبر، عندما تم نشر صور كاميرات مراقبة تظهر ثلاثة من عناصر الشرطة يعتدون بالضرب المبرح على منتج موسيقي أسود.
ووجه القضاء الفرنسي التهم إلى أربعة عناصر شرطة، أوقف اثنين منهما، في إطار التحقيق المفتوح بقضية ضرب ميشيل زيكلير، تتعلق خصوصا بممارسة ضرب متعمد، فاقمته دوافع عنصرية، ما أسهم في زيادة التوتر عامة في البلاد.
ونددت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض كبار وجوه الرياضة بعنف الشرطة.
وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الجمعة هذا “الاعتداء غير المقبول” و”الصور المخزية”، فالصور التي تظهر تعرض زيكلير للضرب هي “عار” على فرنسا.
ونددت الصحافة الفرنسية والأجنبية بـ”جنوح أمني” وبـ”إساءة إلى الحقوق”. ومن بين الأصوات المنتقدة رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشال باشليه ومقررو حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، كما طرحت المسألة للبحث في البرلمان الأوروبي.
و تظاهر أكثر من 500 ألف حسب المنظمين في باريس و عدة مدن فرنسية السبت الماضي، رفضا لمشروع قانون أمني يرون أنه ينتهك الحريات، وسط تسجيل أعمال عنف في هذا التحرك، الذي اكتسب زخما على خلفية كشف اعتداءات لعناصر في الشرطة.
وهي تظاهرة دعت إليها منظمات للصحافيين وأحزاب يسارية ونقابات ومنظمات غير حكومية للدفاع عن الحريات، رفضا لهذا النص الذي يعتبر معارضوه أنه ينتهك حرية التعبير وسيادة القانون.
وانضمت شخصيات عدة إلى الدعوة للتظاهرات التي أقيمت تحت شعار “رفض أن تكون فرنسا بلد عنف الشرطة والإساءة إلى حرية الإعلام”.وكان من بين المشاركين الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند الذي دعا إلى سحب مشروع القانون.
ووقعت صدامات مع قوات الأمن، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدة مقاطع فيديو تظهر تعرض عناصر شرطة لضرب مبرح.
وقد تسببت تجاوزات عناصر الشرطة الفرنسية والتظاهرات التي أعقبت ذلك واستنكار الطبقة السياسية لعملها والاستنكار على مستوى اوربا، في أزمة سياسية، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يخرج عن صمته، ويطلب بإعادة كتابة هذا القانون، رغم أنه تم التصويت عليه في قراءة أولية من طرف الجمعية الوطنية.
وطلب ماكرون الجمعة الماضية من الحكومة أن “تقدم سريعا مقترحات، لإعادة التأكيد على رابط الثقة الذي يجب أن يكون قائما بشكل طبيعي بين الفرنسيين ومن يقومون بحمايتهم، ومن أجل مكافحة جميع اشكال التمييز بفعالية أكبر.
تراجع آخر، تم هذا الأسبوع بعد أن طلب الرئيس مرة أخرى بعد اجتماع مع أعضاء الحكومة إعادة كتابة هذا القانون المثير للجدل، وهو ما اعتبره المعارضون تراجعا استراتيجيا.
وحسب الأخبار المسربة من قصر الإليزيه، فإن الرئيس عبر عن غضبه من طريقة تدبير الحكومة لهذا الملف، ماأجبره على التدخل بنفسه لإطفاء النار. وكان الغضب أيضا من وزير الداخلية الذي استمر في صب الزيت على النار، لكن رغم ذلك لم تتم إقالته كما طالب الشارع بذلك . و اختياره، هو لاستقطاب أصوات اليمين المحافظ، الذي يعطي أولوية للجانب الأمني.
لكن مطالبة إعادة كتابة قانون الأمن العام، هو طريقة مؤدبة تحفظ ماء الوجه، وتصبو إلى دفن هذا القانون بشكل نهائي، دون المس بوزير الداخلية أو الحد من دوره، وهو ما يعتبر تراجعا للحكومة الفرنسية أمام ضغط الشارع. هاته التجاوزات التي قامت بها الشرطة الفرنسية ضد المتظاهرين والضرب المبرح لمواطن اسود لأسباب عنصرية، سهلت هذه المهمة، وهي إقبار قانون، كان الهدف منه إرضاء نقابات الشرطة واليمين المحافظ. لكن هذا التراجع هل يكفي لإطفاء هذه الأزمة السياسية الخطيرة في ظل وباء كورونا؟
غير أن معارضي النص يشيرون إلى أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة ما كانت لتكشف لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين.

الكاتب : باريس - يوسف لهلالي - بتاريخ : 04/12/2020