عودة الأسود إلى عرينهم

خديجة مشتري

استقبال أسطوري لأبطال أسطوريين

 

أول أمس، سطر المغرب صفحة جديدة من تاريخه المجيد، أول أمس أظهر المغرب للعالم أنه يعرف كيف يجازي أبطاله، كيف يقول شكرا لمن أدخل الفرحة على قلوب أبنائه، أول أمس سجل التاريخ ملحمة وطنية جديدة أبطالها ملك وشعب، أول أمس شهد العالم قوة العلاقة التي تجمع بين أفراد هذا الشعب الأبي، أنهار متدفقة من الحب والعشق أثثت كل شارع مر به موكب الأسود، أسود المغرب، العائدين إلى عرينهم منتصرين، رجال ونساء وأطفال هتفوا للأبطال، صيحات النصر والفخر تدفقت من القلوب قبل الحناجر، خفقت الأفئدة معلنة حبها وامتنانها لمن رفع راية المغرب في المحفل الدولي عاليا، لمن جعل اسم المغرب على كل لسان، لمن نشر قيمنا وأخلاقنا وعرفها للعالم وجعل الملايين حوله يفكرون، يتساءلون، حائرون: من هؤلاء الرائعون، من أين جاؤوا؟
كان الفرح أول أمس يحف الجموع من كل الجوانب وسيبقى موشوما في ذاكرتهم إلى الأبد، كان الفرح
كالنهر الذي يجري رقراق صافيا
بين ثنايا الفؤاد
كقطرة ماء عذبة
انعشت روح محارب
خارج من بين دفاتر التاريخ
كعصفور صغير
أطل حاملا على جناحيه
بذرة أمل وحلم
سعيد تلقفتها أيادي فلاح
في أعالي الجبال
و في السهول الشاسعات
ينتظر ضيفا عزيزا
أطال السفر
هل كان حلما بعيدا
هذا السائر بيننا
ينثر الورود
أكان ذكرى أمجاد غابرة
أيقظتها فينا طرقات فارس
من زمن الأمجاد جاء
هي صرخة نصر
سافرت عبر الزمن
وزرعت
في شغاف القلب
باقات ورد وفخر
ونسمات
أول أمس كانت الرباط وسلا على موعد مع استقبال أسطوري ملحمي خصص لأبطال أسطوريين، كان حلما في البدء، مشاركتهم في المونديال ابتدأت بحلم، حلم تحقيق حد أدنى من الفرح لكنه حلم قدر له أن يسير ويسير ويسير إلى حيث انبثق شلال عشق وسمفونية عذبة نبضت في الوريد وتفجرت أفراحا ومسرات استمرت، أول أمس، وتواصلت في مشاهد رائعة تناقلتها وسائل الإعلام الدولية والوطنية وانتشرت الفيديوات والصور والتعاليق المنبهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاعر الفرحة على الوجوه، ورايات الوطن تخفق في الأعالي، وموكب الأسود يخترق الجموع اللاهثة الملوحة فخرا واعتزازا، في كل مكان مرت منه الحافلة التي أقلت الأبطال المغاربة كانت تنثر الفرح والسعادة كما ينثر فلاح نشيط بذور الخصب والأمل، الأمل في غد أفضل، زرعته فينا، في المغاربة كلهم، إرادة فريق متكامل آمن بحلمه وسعى لتحقيقه، بكل ما أوتي من قوة وتآزر بين أفراده، كان المشهد، أول أمس، فخما أسطوريا، ذكرنا بمشاهد عودة الجنود البواسل من ساحات القتال، منتصرين فائزين، فخورين بما أنجزوه وحققوه لبلادهم الغالية.
مشهد تواصل بالقصر الملكي بالرباط والاستقبال الملكي للأبطال الذي خصصه لهم جلالة الملك، استقبلهم وأمهاتهم، اللواتي كن أول من يتجه إليه لاعبو المنتخب الوطني بعد كل انتصار حققوه على أرض الدوحة، كانوا يقتسمون الفرح معهن أولا ولسان حالهم يقول: «لكن أنتن يرجع الفضل في ما وصلنا إليه، أنتن من ساندنا وضحى من أجلنا وزرع فينا عشق هذه الأرض الطيبة، أنتن الأصل والجذور، أنتن من يربطنا ببلادنا ويذكرنا بأن المغرب هو الأرض والأهل والإخوة والدم الذي يجري في العروق. «
كانت مشاعر الفرح والاعتزاز تتراقص على وجوههن، لم يخف على أحد ما كن يشعرن به، ترقب وانتظار اللحظة التي سيقابلن فيها جلالة الملك، في استقبال ملكي عائلي بعيد عن كل تكلف، كان استقبالا عظيما في مغزاه ومقصده، فجلالة الملك وهو يكرم أبطال المغرب وعلامات السعادة بادية عليه، أبى إلا أن يكون للأمهات نصيب من هذا التكريم الغالي والثمين، تكريم وشكر لأنهن أنجبن للمغرب هؤلاء الأبطال، الذين شرفوا بلادنا ورفعوا سقف انتظاراتنا عاليا، هؤلاء الأمهات اللواتي تعبن وربين وسهرن، إليهن أولا يرجع الفضل في ما وصل إليه أبناؤهن، وكأن جلالة الملك أراد من خلال هذه البادرة الطيبة أن يتقاسمن مع أبنائهن فرحة هذا الاستقبال كما اقتسموا فرحة النصر والفوز، وأن يكون لهن نصيب في ما يجنيه أبناؤهن اليوم من شكر واعتزاز وتكريم من جلالته، ومن كافة الشعب المغربي.
نجاحهم في المونديال وتبوئهم الرتبة الرابعة بعد مباريات صعبة ومشوقة نجاح محفز لشبابنا وشاباتنا، نجاح نتمناه أن يكون قاطرة لنجاحات أخرى في جميع القطاعات، نجاح هو لا شك بداية محفزة لما هو قادم، نجاح نرجو أن تتنقل عدواه لكل مجال، أن يكون قدوة للمغاربة، آباء وأمهات وأبناء، أن يلتقطوه ويجعلوه نبراسا يضيء لهم دروب الحياة، نجاح سيذكرهم دائما أن الأحلام يمكنها، مع كثير من الإيمان و»النية» الصادقة، أن تصبح حقيقة.
انتهى المونديال ولكن ما عاشه المغاربة من مشاعر الفخر والاعتزاز بفضل المنتخب المغربي لن ينتهي وسيستمر في الوجدان والذاكرة، كما سيستمر النجاح والتميز المغربي، فهذا الوطن لا يستحق سوى الأفضل !

الكاتب : خديجة مشتري - بتاريخ : 22/12/2022