فرنسا تسعى إلى تهدئة الغضب المتصاعد بالبلدان الإسلامية بعد نشر الرسوم المسيئة للإسلام
باريس: يوسف لهلالي
تفاجأ المسؤولون الفرنسيون بشدة موجة الغضب التي اجتاحت بلدان العالم الإسلامي للتنديد بفرنسا ورئيسها والدعوة إلى مقاطعة منتجاتها، بعد الجدل الذي صاحب نشر الرسومات المسيئة للإسلام ووقوع عدة إحداث إرهابية فوق التراب الفرنسي، إثر مقتل مدرس بضواحي باريس ومقتل ثلاثة أشخاص بكنيسة بمدينة نيس. في هذا الإطار قام المسؤولون الفرنسيون بمحاولة لشرح وجهة نظر بلدهم حول الموضوع، سواء من خلال تصريحات وزير الخارجية ايف لودريون أمام برلمان بلاده أو من خلال المقابلة التي أجراها الرئيس الفرنسي مع قناة الجزيزة.
وهي مقابلة ثم بثها، يوم السبت الماضي، قال فيها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون « إنه يتفهم «صدمة» المسلمين إزاء الرسوم الكاريكاتورية، لكن ذلك ليس مبررا للعنف».
وحسب مصادر من قصر الإيليزيه للصحافة، فإن الهدف من وراء هذه المقابلة، هو تصحيح «المغالطات» التي روجت حول تصريحات إيمانويل ماكرون بشأن محاربة الانفصالية وما صدر عنه حول الرسوم الكاريكاتورية، التي أثارت حفيظة العالم الإسلامي وولدت موجة من الإدانة. فالرئيس أراد شرح رؤيته ب»كيفية رصينة»، مع التذكير بـ «أسس» النموذج الفرنسي و»قيم الجمهورية».
وفي هذه المقابلة التي دامت نحو ساعة، مع مراسل قناة الجزيرة في فرنسا « حرص إيمانويل ماكرون على التوضيح بأن الرسوم الكاريكاتورية ليست نتاجا للدولة بل من عمل وسائل الإعلام المستقلة».
وأكد ماكرون أن «الرسوم الكاريكاتورية ليست مشروعا حكوميا، بل صادرة عن صحف حرة ومستقلة ليست تابعة للحكومة»، مشيرا إلى أن تصريحاته (حول الرسوم الكاريكاتورية) تعرضت للتحريف.
وقال «أعتقد أن ردود الفعل كانت ناتجة عن الأكاذيب وتحريف كلامي، فقد فهم الناس أنني أؤيد هذه الرسوم الكاريكاتورية.»
كما أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في «العمل دوما على محاربة العدو المشترك» المتمثل في «الإرهاب»، مؤكدا عدم رغبته أبدا في ازدراء المسلمين، قائلا «على عكس ما سمعته ورأيته كثيرا على شبكات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، فإن بلدنا ليست لديه مشكلة مع أي دين. فجميعها تمارس بكل حرية! من دون ازدراء: فرنسا متشبثة بالسلام والعيس المشترك.»
وأبدى ماكرون أسفه لـ»سوء الفهم» ولـ»الكثير من التلاعب» الذي مارسه «أحيانا مسؤولون سياسيون ودينيون»، كانوا وراء دعوات التظاهر ومقاطعة البضائع الفرنسية في دول مسلمة عدة من الباكستان إلى مالي مرورا بقطر.
وانطلقت الاحتجاجات ردا على تصريحات دافع فيها الرئيس الفرنسي عن الحق في الرسوم الكاريكاتورية من منطلق حرية التعبير، وذلك بعدما قتل إسلامي متطرف في 16 أكتوبر بقطع الرأس مدرسا فرنسيا كان قد عرض على تلامذته رسوما كاريكاتورية للنبي محمد، بالتزامن مع محاكمة في قضية اعتداء استهدف في العام 2015 مقر صحيفة شارلي إيبدو.
وأجريت المقابلة غداة اعتداء جديد نفذه تونسي يبلغ 21 عاما قتل فيه بالسكين ثلاثة أشخاص داخل كنيسة في مدينة نيس في جنوب شرق فرنسا.وشدد ماكرون مطولا في المقابلة على أهمية العلمانية معتبرا أن هذا المبدأ «شديد التعقيد ويؤدي أحيانا كثيرة إلى سوء فهم»، ولكنه «يجعل من فرنسا بلدا نريد جميعا أن نكون مواطنين فيه بغض النظر عن ديانتنا».
وقال ماكرون «على عكس ما سمعته كثيرا في الأيام الأخيرة، ليس لدى بلدنا أي مشكلة مع أي ديانة»، وخصوصا الإسلام، على الرغم من تظاهرات نظمت الجمعة في مدينة القدس اعتبر فيها الرئيس الفرنسي عدو الله.»
وقال ماكرون إن الرسوم الكاريكاتورية تسخر من «المسؤولين السياسيين»، ومنه «بالدرجة الأولى وهذا أمر طبيعي، ومن كل الديانات. لكنه شدد على أن هذا الأمر «لا يعني أنني أؤيد شخصيا كل ما يقال ويرسم.»
وقال ماكرون «في كثير من البلدان التي دعت إلى مقاطعة» البضائع الفرنسية «لم يعد هناك من صحافة حرة، أي لم تعد ممكنة الرسوم الكاريكاتورية التي تتناول ليس فقط النبي محمد أو الله أو موسى أو كائنا من كان، بل حتى مسؤولي البلاد.»
وقال إن إعادة النظر بهذا الحق في فرنسا سيكون بمثابة «فرض شكل من أشكال النظام الأخلاقي أو الديني»، مبديا أسفه لـ»تخلي الكثير من بلدان العالم عن حرية التعبير في العقود الأخيرة بسبب السجالات والخوف والفوضى الناجمة عن ردود الفعل. كما أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في «العمل دوما على محاربة العدو المشترك» المتمثل في «الإرهاب»، مؤكدا عدم رغبته أبدا في ازدراء المسلمين، قائلا «على عكس ما سمعته ورأيته كثيرا على شبكات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، فإن بلدنا ليست لديه مشكلة مع أي دين. فجميعها تمارس بكل حرية! من دون ازدراء: فرنسا متشبثة بالسلام والعيش المشترك».
ولم يفت الرئيس الفرنسي في هذا الحوار الصحفي التطرق إلى الأزمة بين باريس وأنقرة والتي واكبت هذه الحملة ضد فرنسا بالعالم الإسلامي. واتهم ماكرون إردوغان بتبني موقف «عدواني» تجاه شركائه في حلف شمال الأطلسي، معتبرا أن التوترات قد تنحسر في حال أظهر إردوغان الاحترام وتوقف عن إطلاق أكاذيب.
وقال ماكرون في مقابلة مع قناة الجزيرة إن «لدى تركيا موقفا عدوانيا تجاه حلفائها في حلف شمال الأطلسي»، مستنكرا السلوك التركي في سوريا وليبيا والمتوسط.
وأمل ماكرون بأن «تهدأ» الأمور، لكن من أجل أن يحدث هذا، من الضروري أن «يحترم الرئيس التركي فرنسا ويحترم الاتحاد الأوروبي وقيمهما وألا يطلق الأكاذيب أو يتفوه بالإهانات».
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 03/11/2020