فكرة حول الأزمة

عبد السلام المساوي

عندما تندلع أزمة على أي مستوى من المستويات يتم مواجهتها أولا بأسئلة أساسية منها: ما هي طبيعتها؟ وما هي عناصرها؟ وما هي أسبابها، وفي ضوء هذه الأسئلة فقط ينطلق مسلسل أسئلة أخرى منها: ما هي الحلول الممكنة للأزمة؟ ما هي الوسائل التي ينبغي اعتمادها في عمليات المعالجة؟ ما هي القوى التي لديها مصلحة أكيدة في حلها؟ وكيف يمكن لها المساهمة في إيجاد الحلول بالنظر إلى إمكاناتها الفعلية المادية والمعنوية؟ وما هي القوى المستفيدة من الأزمة؟ وما هو سلوكها إزاءها، لجهة الوقوف في وجه محاولات الخروج من الأزمة، أو لجهة افتعال أزمات إضافية تعقد الوضع أكثر، وتحرم القوى المتضررة منها من فرص التفرغ لمعالجة الأزمة من خلال إلهائها بمشاكل إضافية وتضييعها في متاهات لا أول لها ولا آخر.
ويبدو أن توفر أو عدم توفر الإرادة الضرورية لدى المعنيين بالأزمة عامل حيوي في تقرير مصيرها النهائي باتجاه الحل أو باتجاه الاستفحال.
صحيح أن الشروط الموضوعية الملموسة المرتبطة بالأزمة وطبيعتها وبالقوى التي تتأثر بها أو تؤثر فيها تلعب أدوارا وازنة في تحديد اتجاه الفعل غير أن هذه الشروط بما فيها بل وأساسًا منها العقبات قابلة للتذليل ما دام شرط الإرادة الإيجابية للفعل متوفرًا لدى المعنيين وهو ما ليس ممكنا في حال غياب تلك الإرادة.
إن هذا ليس يعني دعوة إلى اعتماد نزعة إرادوية تفضي في كثير من الأحيان إلى مختلف أشكال المغامرة والانتحار السياسي بل هو دعوة إلى عدم الاستنتاج الخاطىء بأن الفشل في معالجة أزمة من الأزمات يدفع حكما إلى إهمال وعدم الحرص على توفر تلك الإرادة لأن ترك الحبل على غارب الصدف أو التجاهل أو الكسل الفكري والسياسي يجر حتمًا إلى الفشل لانعدام الفعل الذي قد يؤدي إلى النجاح أصلًا.

وإذن فإن توفر مقتضيات التعامل مع الأزمة والانخراط الإرادي في البحث عن حلول ملائمة لها ضمن سياقها ووفق طبيعتها وإكراهاتها قد يضمن تحقيق الغاية المرجوة من ذلك المسعى بنسب معقولة غير أن العكس كما أسلفنا يعني الارتطام بصخرة الأزمة وتعقيدها وتعفينها واستعصائها في نهاية المطاف.
فهل هي مسألة اختيار؟ أعتقد ذلك.
الاعتراف بالأزمة شرط ضروري للتفكير في حلها. وهذا التفكير يتطلب منهجية خاصة مستمدة من طبيعة الأزمة ذاتها، لأن التشخيص الجيد شرط ضروري، وإن لم يكن كافيا، لحلها.
يقتضي الحل وجود إرادة حقيقية لمواجهة واقع الأزمة وتوفير وسائل وظروف الفعل الذي يستهدف حلها.
كثيرون من يعترفون بوجود أزمة ما، وكثيرون هم من يملكون إرادة الحل، لكن تعوزهم الوسائل المادية والمعنوية لتفعيل تلك الإرادة.
وهناك، بالفعل، من يعلنون شعورهم بوجود أزمة ما، غير أنهم لا يستطيعون ترجمة هذا الشعور إلى إرادة مواجهتها. وكثيرا ما تُمارس الأزمات مكرها من خلال إيحاءات تعقيداتها بأن جوهرها خارج معطياتها فينحرف البحث عن الحل إلى حيث لا حل أصلا .
يحدث التطور في مختلف المجالات تقريبا عبر سلسلة من الأزمات. لكن كل الأزمات ليست السبب الرئيس في التطور. بل أكثر من ذلك، فإن بعضها يتحول إلى عائق أمام التطور، وخاصة عندما لا يكون الجسم الاجتماعي أو الهيئة المعنية بها في مستوى رفع تحديات هذه الأزمة.
وأسباب هذا العجز ليست وليدة عامل وحيد، موضوعيا كان أو ذاتيا، وإنما هي مزيج من عوامل كثيرة، ينبغي الحفر في مفردات الأزمة ومعادلاتها للكشف عنها باعتباره شرطا ضروريا لمعالجتها بشكل سليم.
البحث عن الحل خارج هذا المنطق نوع من العبث حتى ولو بدا جديا.
يتساءل المرء، أحيانًا كثيرة، عن جدوى الحياة. يقترن السؤال، غالبًا، مع هذه الأزمة أو تلك. هو لا يتوقع التوصل إلى جواب محدد، وقد لا يرغب في ذلك أصلًا، غير أن السؤال يداهمه، هكذا، وكأنه محايث للأزمة التي يواجهها.
سؤال ميتافيزيقي، وجودي ومحير على الدوام، إلا أنه غالبًا ما يختفي ويعود إلى نوع من اللاوجود، بمجرد ما يتم التغلب على الأزمة.
هكذا يهاجم السؤال المرء على حين غرة ويختفي بالطريقة إياها، متحينًا فرصة الهجوم مرة أخرى، إلى ما لا نهاية. أو بالأحرى حتى آخر نفَس.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 15/10/2024