في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته
عبد السلام المساوي
لا يمكن لعاقل أن ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات. ولا يمكن إنكار ما تحقق فالممكن أحسن مما تحقق لا محالة، لكن أيضا لا يمكن إنكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء .
هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم . وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات، وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة، وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية، وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال، وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي، وهناك خلل في الحكامة. وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان أو ثقافيا أو رياضيا، وهناك رغبة من الجميع في التغيير .
المغرب، اليوم، ليس في حالة ميؤوس منها، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها، وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب، يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم .
طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن أن تتنصل منها، وهناك التزامات عليها أن تتحملها بكل ما تتطلبه من إمكانيات مادية وبشرية، الدولة لا يجب أن تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا . كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق آليات للمراقبة والمتابعة والتقييم .
يشدد الاتحاد الاشتراكي، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية، على البعد الديموقراطي والحداثي للثقافة، الذي يستلزم التفعيل الجيد للمقتضيات الدستورية المتعلقة باحترام مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة وحرية الرأي والتعبير. ومن ثمة، من الضروري خلق دينامية مجتمعية قوية رافضة لكل أشكال الاستلاب المحافظ والتفكير العدمي، وقادرة على إقرار قطب ثقافي جديد يسهم في تعزيز الإبداع الحر وثقافة الاختلاف وروح التعايش والانفتاح على الآخر .
تتسع الهوة، يومًا بعد آخر، بين المثقفين والمجتمع. بل إنها تتعمق، أيضًا، بين المثقفين والسياسيين، ولا أحد يعرف، على ما يبدو، ما ستصل إليه الأمور، خلال المستقبل القريب.
الشيء المؤكد هو أن السياسي لا يرى في المثقف إلا ما يراه المثخن بالجروح في من لا يتورع عن نكئها لأنه يحول دون اندمالها، وقد يساهم في تعفينها.
والمجتمع لا يرى في المثقف غير انعزاله، في برجه العاجي، وعزلته التي قد تتحول إلى تصوف سلبي منكفئ على الذات، أو عزلة متعالية قد تتماثل مع الغرور والادعاء.
أما المثقف فهو ضائع بين أداء دور الوعظ والإرشاد، وبين الانغماس في معترك الحياة العامة للمجتمع.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 23/01/2025