في الحاجة إلى حكومة سياسية

عبد السلام المساوي

إن للمغرب قوانين ودستورا أسمى وملكا يحترم المؤسسات، ولم يثبت عليه أن فضل حزبا على آخر ، أو توجها على آخر ، بل قال في عدد من خطبه إن حزبه الوحيد هو المغرب والوطن ، فكفى من العبث والتغول .
يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر : « أخشى على وطني من الثلاثي المتغول ، ورجوعنا للمعارضة هو من أجل مواجهة هذا التغول .»
هناك خلل حقيقي في الحكومة الحالية ، فهي تفتقد إلى العنصر السياسي ، حيث نجد الكثير من تدبيرها تقني ، في حين اللمسة السياسية التي تقوم على الاستشعار والتفاعل وتحمل المسؤولية والجرأة في اتخاذ القرار ، كلها أشياء غير ملموسة في هذه الحكومة …أما ما نواجهه اليوم في المغرب ففي حاجة إلى حكومة سياسية حقيقية .
جاء في رسالة الاتحاد – جريدة الاتحاد الاشتراكي العدد 13.428 (… في حاجة إلى حكومة تتحمل مسؤوليتها الدستورية والسياسية والأخلاقية، وأن تكون لها الجرأة في تقديم استقالتها، خاصة مع إخفاقها في ابتكار وإبداع حلول استباقية بخصوص الارتدادات الخطيرة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتماشيا مع الاختيار الديمقراطي باعتباره من الثوابت الجامعة للأمة في حياتها العامة، والذي اتخذته بلادنا، خيارا لا رجعة فيه، لبناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، وكذا تبعا للأعراف الدولية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة، والبلدان التي تحترم فيها الحكومة إرادة المواطنات والمواطنين…)
لا يحتاج المحلل السياسي إلى بذل الكثير من الجهد في التحليل ، ليخلص إلى أن بيت الأغلبية السياسية ليس على ما يرام رغم تضخم خطاب الانسجام وكل المكياج الذي يوضع على وجه الأغلبية لتزيينها وإظهارها بمظهر الإئتلاف الذي يسوده التوافق والتنسيق الدائمان . والحقيقة أننا أمام أغلبية عددية ضامنة لتمرير القوانين في البرلمان وليس أمام أغلبية سياسية قادرة على الدفاع عن التجربة الحكومية بنفس القدرة والجرأة .
فبعد مرور سنة ونصف السنة على تشكيلها، لا تزال الأغلبية عاجزة عن الدفاع المستميت عن حكومتها ، ولم تستطع إنتاج هوية سياسية للمرحلة ، بل إن بعض الأحزاب تخاف من ربط اسمها بالحكومة ، وتضع ربع بيضها في سلة الحكومة بينما تحتفظ بثلاثة أرباع لوضعها في أي سيناريو محتمل ، والمشكلة في الأحزاب المشكلة للحكومة أنها تريد أن تأكل في صمت وتدافع بصمت، وإذا اضطرت للكلام فهي تتحدث لغة الصمت الذي ينسب لها قولا ولا فعلا .
إن التحالف المهيمن رغم القوة العددية التي يتوفر عليها بالبرلمان والحكومة والجماعات الترابية والنقابات ترك الفراغ على المستوى السياسي ، بل إنه من المستحيل أن تتطابق أحزاب الأغلبية في ما يجري من أحداث والمشاكل المرتبطة بارتفاع الأسعار والسياق الصعب الذي نمر منه ، حيث اختلفت أحزاب الأغلبية في ردة فعلها على هذه الأحداث وعبر كل منها عن مواقف منفصلة تصل أحيانا إلى حد التناقض وإحراج الحكومة ، مما أثار أسئلة عن أسباب هذا التباين وتأثيره المستقبلي على حالة الانسجام والتوافق داخل الأغلبية الحاكمة .
المؤكد أنه إذا استمرت هذه الضبابية والرمادية والبرودة في أداء الأغلبية الحكومية ، فإنها ستوشك على التفكك بقوة الواقع مما قد يقود الحكومة إلى الانهيار.
رسالة الاتحاد تؤكد ( …إنها حكومة بدون أغلبية، تؤكد من جديد، محدودية المشروع السياسي الذي اعتمدته لتشكيل الأغلبية، وغياب انسجامها، لكونها مجرد تحالفات عددية، لا يجمع بينها أي برنامج سياسي أو فكري، ودليل على أن النجاعة لا تحسب بالمقاعد ولكن بالقدرة على ابتكار الحلول للقضايا الشائكة، والانتقال بالبلاد نحو الأفضل، وأن ما يقع اليوم ، حيث يتم الجَمع بين الهروب إلى الأمام واستغفال المغاربة ، والحط من شأن الثوابت المؤسساتية، ومنها الأدوار الدستورية للمعارضة، كل هذا يُشكل مؤشرا على انزلاق خطير، يضع الأسس لتكريس هيمنة تُهدد الديمقراطية والتعددية، وتنذر بتراجعات خطيرة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا، وتهدد مختلف السياسات العمومية المستقبلية، والحال أننا في حاجة اليوم إلى حكومة، تحترم ذكاء المواطنات والمواطنين، وتتفاعل بقوة واستباقية مع متغيرات ومستجدات الوضع العالمي والمحلي.)

من الواضح أن مصلحتنا كمجتمع ودولة ليست بناء حكومة منسجمة بل بالدرجة الأولى بل أيضا تشكيل برلمان فاعل وقوي ، والحكم على فعاليته وقوته يجب أن تحتكم لمعايير التوازن السياسي والعددي ، فلا يمكن أن تتحول المؤسسة التشريعية إلى طائر يطير بجناح واحد للأغلبية بينما جناح المعارضة معطل، وهناك من يعتقد أن ضعف البرلمان وتحوله إلى لعبة في يد السلطة التنفيذية سيسهل على الحكومة إنجاز الكثير من الأمور دون إزعاج، هذا التقدير قد يكون صحيحا لكنه غير صحي لسير النظام برمته، فضعف البرلمان ولا سيما المعارضة يعني فتح الباب مشرعا أمام الشارع والفاعل الاحتجاجي والتيارات العدمية . فلم يحدث أن كان البرلمان المغربي ممثلا للأغلبية فقط وخادما للحكومة ، وحتى في ظل الولايات التشريعية التي كانت تهيمن فيها الأحزاب « الإدارية « ضم البرلمان معارضة قوية يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما كان يضمن الكثير من التوازن الدستوري والسياسي ، ويجنب البلد الانزياحات خارج الأطر الدستورية المشروعة .
لذلك شكلوا الأغلبية البرلمانية دون إيلاء المعارضة مكانتها، هم واهمون وحالمون ويركبون مغامرة غير محسوبة العواقب، لأن قوة الأغلبية من قوة المعارضة، وقوة الحكومة من قوة البرلمان، لذلك من الواجب جدا إعطاء مجلس الأمة مساحته الكاملة للعمل والتحرك لحماية المجتمع من أي تغول .
المطلوب مؤسسات قوية وعلاقة تحكمها الأطر الدستورية الناظمة بوجود حكومة تنفذ القوانين وتدبر شؤون البلد وتنزل مشاريعه الكبرى ، ومؤسسة تشريعية تجود ما عجزت عنه الحكومة وتراقب بقوة عملها وتقيم سياساتها، هذا ما حرمنا منه خلال العشر سنوات الماضية ، وأدى لخلل كبير في السياسات العمومية ومنظومة المساءلة الدستورية والسياسية، ولذلك لا نريد أن نسبح في النهر نفسه مرة أخرى .

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 20/04/2023