في وداع السي محمد الخصاصي

الحبيب المالكي *

 

تعود بي الذاكرة إلى بداية السبعينات من القرن الماضي، بما كانت تمور به من أحداث جسام، وما كان يطبع الوسط الطلابي أنذاك من حيوية، ونقاش وصراع لا يفتران، ويحضر في ذهني شريط الخصال الراسخة التي ميزت فقيدنا الكبير، أخونا وصديقنا المناضل الشهم، الصادق النزيه السي محمد الخصاصي، رجل سياسة بامتياز، ومناضل صلب، عنيد، صارم داخل الوسط الطلابي، و إزاء خصومه، أخلص في عمله المهني، ونشاطه العلمي في تقديم مادة التاريخ إلى طلابه بكلية الاداب بالرباط، وغرس فيهم فيبناء المعرفة وتطويرها فضيلة السؤال والفحص والنقد والتحليل، وأخلص في نشاطه النقابي الطلابي الذي ناضل فيه نضال الصادقين المتميزين. من طينة الرجال الذين لا يخشون من قول الحق لومة لائم.
لم يكن فقيدنا الكبير مجرد مناضل سياسي فحسب وإنما كان له حضوره الفاعل المؤثر في مجرى حياتنا السياسية والتنظيمية، كان قائدا اتحاديا كبيرا، سبق الكثيرين منا إلى المواقع القيادية المتقدمة، خصوصا حين انتخبه الطلاب المغاربة رئيسا لمنظمتهم العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نهاية الستينات، وبداية السبعينات من القرن الماضي في عز سنوات الرصاص، وكان مثالا للعطاء والتضحية، والإسهام في التراكم النضالي للمنظمة الطلابية، وفي بناء ترسانتها السياسة والفكرية والنقابية والأخلاقية.
لكن الظروف الصعبة في تلك المرحلة، والعديد من الملاحقات التي تعرض لها، أجبرته على مغادرة المغرب إلى المنفى لما يزيد عن ثمانية سنوات كرسها في خدمة الوطن و الحزب.بأخلاق سياسية ونضاليةوطنية رفيعة، عنوانها النزاهة و نظافة اليد، و جرأة الموقف، والالتزام الصادق بوحدة و تقدم وطننا العزيز، وخدمة قضاياه العادلة بتفان وإخلاص، وظل الفقيد السيمحمد الخصاصي أحد الأصوات المناضلة من خارج الوطن، مدافعا شرسا عن وحدة بلادنا، وعن أهم قضايا الحركة التحررية العربية .
وبعد عودته سنة 1980، في سياق الانفراج السياسي العام، سيواصل السي محمد الخصاصي نضاله في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضمن اللجنة الادارية الوطنية، ثم المجلس الوطني ، الكتابة الوطنية، رئاسة لجنة العلاقات الخارجية للحزب، إلى أن أصبح أخيرا عضوا في لجنة التحكيم و الأخلاقيات إلى جانب الفقيد السي عبد الواحد الراضي.
ولعب أدوارا أساسية من داخل المؤسسة التشريعية عندما انتخب نائبا برلمانيا سنة 2002 عن مدينة مراكش العريقة.
وربما بسبب تاريخه ومكانته وكفاءته، حظي بالثقة الملكية، وعينه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، سفيرا للمغرب في سوريا، سنة 2008، حيث لعب أدوارا هامة، بحكم تكوينه و تجربته الطويلة، ومعرفته الدقيقة بتفاصيل الحياة العربية، و تطورات الوضع الوطني والعربي والدولي، و في قلبهما قضيتا الصحراء المغربية وفلسطين العربية.
ومن المؤكد أننا نفقد اليوم في الاتحاد الاشتراكي، وضمن عائلة اليسار، وداخل القوى الوطنية والديمقراطية، والوطن كله، أحد صناع تاريخنا الحديث والمعاصر، خصوصا تاريخ الحركة الطلابية، تاريخ الحركة الاتحادية، تاريخ الحركة الديمقراطية، وبالتالي فالخسارة بالنسبة إلينا مضاعفة ومؤلمة، ومحزنة حقا.
فكما النجوم في السماء لا تختفي، فالرائعون أمثال السي محمد الخصاصي والذين يحملون طهارة النفس، وقوة العزيمة، يظلون دائما أحياء حاضرين، يزرعون فينا الأمل والمحبة والتضحية والمواطنة الصادقة.
فنم مرتاحا أيها الشامخ العزيز فقد أديت رسالتك بعلو همة، وحنكة، وبعد نظر، وكنت نموذجا عاليا في الجدية والاستقامة والعطاء والمواطنة الحقة.
وعزاؤنا أنك ستبقى حيا فينا، بذكرياتك الجميلة، والعصيبة،يشرق فيها الأمل والتفاؤل دائما.
رحم االله فقيدنا العزيز، وأتابه على ما قدمه لوطنه ولحزبه من سلوك قويم، وإخلاص كبير، ولزملائه، وأصدقائه، وطلبته، من أخلاق في التعامل، وقدرة على الإنصات و العطاء.
رحم الله الأخ العزيز والصديق السي محمد الخصاصي، و أكرم مثواه، والعزاء واحد.

* رئيس المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
الرباط 23 غشت 2024

الكاتب : الحبيب المالكي * - بتاريخ : 30/08/2024