قالها كبور: «ما كاينش معامن» جيل زد يكشف هشاشة الحكومة والإعلام العمومي يضيء الطريق

جلال كندالي
أبان حراك شباب جيل زد عن واقع مؤلم يكشف حال «النخبة» التي تقود الحكومة، نخبة لا يستحق أغلبها في حقيقة الأمر تسيير جمعية محلية، فما بالك بتسيير شؤون العباد والبلاد.
بعيدا عن المطالب التي رفعها شبابنا، وهي مطالب قديمة جديدة لا تتجاوز سقف الدستور، فإنها تمثل خلاصة ما نادى به الشعب المغربي وما زال ينادي به. ومن يتتبع الاحتجاجات المتواصلة التي عرفتها شوارع المغرب منذ تنصيب هذه الحكومة، سيدرك أن جوهر الأزمة لا يكمن في المطالب بحد ذاتها، بل في طريقة تعامل الحكومة معها ومع أصحابها.
لقد بين المسؤولون بالملموس أنهم، عوض أن يكونوا قادة يتحملون المسؤولية، تحولوا إلى متسولين سياسيين، يحركون الكراكيز ويطلبون الدعم من المريدين الذين يزينون لهم أعمالهم، وزينوا صور حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة شيخهم، بدل أن يفتحوا أعينهم على ما يجري في بلادهم وآذانهم على أصوات مواطنيهم المنتقدين.
لكن ما يهمنا أكثر في هذا الاتجاه هو كيف تعاملت الحكومة مع هذه المطالب، بعيدا عن بيان ما يسمى بالأغلبية الحكومية، الذي لم يصدر إلا بعد أن امتلأت الشوارع احتجاجات وتوقيفات وحدث ما حدث. فبعد أن فتح النقاش عبر الإعلام العمومي، كنا ننتظر حكومة تتسم بالرزانة والمسؤولية، غير أن المشهد جاء عكس ذلك تماما، إذ رأينا كيف أن كل مكون من مكونات الأغلبية «يلغي بلغاه».
نبدأ من الوزير الشاب، الذي يبدو أنه لا يحب سياسة «الشات»، رغم أنه مساهم في شركة «نيو» للسيارات، وهو مشروع يستحيل أن يكون أصحابه أميين في العالم الرقمي. ومع ذلك، سمعناه يشتكي بأنه يريد الحوار مع الشباب، لكنه لا يعرف أين يجدهم! ثم يأتي الوزير المدلل، لحسن السعدي، الراقص على كل الحبال، الذي عوض أن يعصف ذهنه للبحث عن حلول تليق بموقعه ومسؤوليته، اختار أن يعلن «بيانه الأول» على صفحاته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، مستأذنا الجميع للدفاع عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي جاء به وزيرا «من هاديك… للطيفور»، كما قال أجدادنا، لكن دون أن يفتح المجال على الأقل لمتتبعيه للتفاعل مع ما كتب، فكيف لمسؤول حكومي، يغلق حائطه الافتراضي خوفا من النقاش، أن يفتح النقاش مع شباب جيل زد؟
ولم يقف العبث عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى وزير الميزان، نزار بركة، الذي كان من المنتظر أن يمتح من قاموس حزب وطني عريق، وأن يضع الإصبع على الجرح بحثا عن وصفة للتداوي. غير أن اللحظة خانته أمام شباب طموح وواع، كله وضوح وثقة، فاختار أن يقدم درسا في التناقض بدل أن يقدم رؤية في الإصلاح.
ففي لحظة واحدة، أعلن أمام المغاربة أن الحكومة منسجمة، لكن قبل أن يرتد إليه طرفه ويعود لسانه إلى فمه، صرح لجامع كلحسن بأنه حاضر بصفته أمينا عاما لحزب الاستقلال، لا بصفته ثالث ثلاثة في الحكومة!
مشهد آخر يختصر حالة الانفصام التي تعيشها الأغلبية، التي ما عادت تعرف متى تتحدث باسم الوطن ومتى تتحدث باسم الحزب.
ولم يتأخر الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي لم ينطق يوما بالحقيقة، في إضافة لمسته الخاصة على هذا المشهد السريالي، حين اتهم زميلنا الإعلامي نوفل العواملة، في حوار معه على قناة ميدي 1 تيفي، بأنه الناطق الرسمي باسم شباب جيل زد!
كل ذلك جرى في إعلامنا العمومي، الذي يحسب له أنه فاجأ الحكومة بجرعة من النقاش والوضوح لم تكن تتوقعها. فقد أبان زملاؤنا سناء رحيمي، جامع كلحسن، نوفل العواملة وغيرهم، عن وطنية عالية وكفاءة مهنية كبيرة في إدارة النقاش، وإلمام دقيق بالمطالب ومن يقف وراءها. إنها المهنية في أبهى صورها، التي تم تغييبها طويلا، لكنها حضرت اليوم حين تعلق الأمر بالأمن ومستقبل البلاد. فلا شيء يحصننا أكثر من الوضوح والإنصات الجيد لهؤلاء الشباب، وهو ما فعله إعلاميونا بإحساس وطني صادق.
وهنا تبرز أهمية الإعلام العمومي، الذي أعاد الاعتبار لوظيفته الأصلية، خدمة الصالح العام، ومساءلة السلطة، وفتح فضاءات التعبير أمام الأصوات الحرة. فقد برهن هذا الإعلام في ظرف حساس أنه لا يمكن لأي إصلاح سياسي أو اجتماعي أن يتحقق دون صحافة مسؤولة، تراقب وتفضح وتشرح.
إن دور الإعلام اليوم هو خلق التوازن في المشهد العام، ومحاربة الفساد، وتنوير الرأي العام حتى لا يقع فريسة الدعاية أو التعتيم. غير أن ما يثير القلق هو أن بعض الجهات الحكومية وأطرافا من الأغلبية لا تزال تسبح ضد التيار، وتعمل على إخضاع الإعلام لوصايتها، حتى يتحول إلى شاهد زور يخدم أجنداتها. يتم ذلك عبر سن قوانين ومشاريع تنظيمية أعدت في الكواليس، بعيدا عن إشراك الصحافيين، وهم أهل الاختصاص وأدرى بشؤون مهنتهم.
إن هذه النزعة التحكمية لا تهدد فقط حرية الصحافة فحسب، وإنما تضرب في العمق حق المواطنين في المعلومة، وتضعف ثقة المجتمع في مؤسساته.
غير أن الحكومة، للأسف، لم تتعظ، ويبدو أنها لن تفعل. فبدل الانخراط بقلب سليم في النقاش، بعيدا عن لغة الخشب والغرور السياسي، رأينا كل مكون من مكونات «الأغلبية التغولية» يغني على ليلاه و»يلغي بلغاه». وحدهم الإعلاميون، والشباب، ووسيط المملكة، الأكاديمي والأستاذ الجامعي حسن طارق، من ناقشوا وقاربوا الموضوع بعمق ومسؤولية، دون تبخيس لهذه الحركة، التي منحت الحكومة فرصة ذهبية لتصحيح مسارها والتفاعل مع المطالب المشروعة. لكنها اختارت العكس، فكان طبيعيا أن يردد هؤلاء الشباب مع كبور: «ما كاينش معامن»، وهم يرفعون اليوم أصواتهم عاليا مطالبين بإسقاط هذه الحكومة التي فقدت البوصلة.
إن الرسالة التي يوجهها شباب جيل زد اليوم إلى الحكومة، عليها ألا تتعامل معها على كونها صرخة احتجاج عابرة، لكنها إنذار سياسي واجتماعي عميق مفاده أن شرعية الإنجاز لا تبنى بالدعاية، وأن صبر المغاربة ليس رخصة للتجاهل أو التعالي. فحين ينزل الشباب إلى الشارع، فذلك يعني أن لغة الأمل قد انتهت، وأن ما تبقى هو صوت الحقيقة. والحقيقة المؤلمة أن الحكومة فشلت في الإصغاء، وفقدت البوصلة في إدارة الملفات الكبرى التي تمس معيش المواطن وكرامته.
لقد تحول الغضب الشعبي إلى مرآة عاكسة لعجز السلطة التنفيذية عن التواصل، وعن إنتاج سياسة تليق بانتظارات جيل رقمي يعرف العالم بذكاء إصبعه، لا ببلاغات خشبية تلوكها الألسن وفي مقدمة ذلك لسان الحكومة. وعلى هذه الأخيرة أن تعي أن البلاد لا تحتاج إلى من يبرر الفشل، بل إلى من يملك الشجاعة ليعترف به، ويصححه قبل أن يفوت على المغرب فرصة استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
الكاتب : جلال كندالي - بتاريخ : 09/10/2025