قرار 2654: امتحان جديد للجزائر

نوفل البعمري

 

القرار الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 27 أكتوبر 2022، هو امتحان جديد للدولة الجزائرية في علاقتها بالنزاع بكل تفاصيله السياسية والحقوقية، التي وضعت هذه الدولة أمام مسؤوليتها من جهة تجاه الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها ومن جهة أجرى تجاه الساكنة الصحراوية الساكنة بمخيمات تندوف، وهي مسؤولية من المؤكد أنها ترتب جزاءات عليها وإن كان المنتظم الدولي لم يحرك بعد آلياته الأممية لإجبار هذا النظام على الانصياع للشرعية الدولية، لكن سيأتي اليوم الذي سيعمل فيه كل ضحايا هذا النزاع على ذلك، سواء ممن انتهكت حقوقهم داخل التراب الجزائري أو الذين أجبروا على البقاء في سجن كبير اسمه مخيمات تندوف طيلة هذه السنوات خاصة من طرف أجيال من الشباب ممن وجدوا أنفسهم في معتقل محاصرين داخله.
قرار 2654 الصادر عن مجلس الأمن، ليس فقط قرارا عاديا صادرا عن مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة، بل هو قرار جعلت مضامينه الدولة الجزائرية تقف أمام مسؤوليتها القانونية، الحقوقية، السياسية تجاه الوضع العام بالمخيمات ومسارات النزاع، فقد:
1 – خاطب الدولة الجزائرية بشكل مباشر وطالبها بالانخراط الإيجابي في العملية السياسية على أرضية الطاولة الرباعية حيث تجلس الدولة الجزائرية كطرف أساسي بالملف، ومعنية به وبالحل وبمسار الحل.
لقد شدد القرار على ضرورة أن تقوم الدولة الجزائرية بدعم عمل ستافان دي ميستورا، وهو بذلك يحملها مسؤولية أي إخفاق قد يتعرض له في مهمته اعتبارا لأن هذه الدولة هي صاحبة المصلحة الكبرى في عدم التقدم السياسي في الملف، وعدم حلحلته ليظل الوضع على ما هو عليه، وضع جامد سياسياً، وهو وضع يخدم فقط النظام الجزائري دون غيره من الأطراف خاصة وأن ساكنة المخيمات قد تحولت لرهينة لديه وبين يديه يتلاعب بمصيرها لخدمة أجندته السياسية في المنطقة.
قرار 2654 في هذا الجانب، عمد إلى توضيح المركز السياسي للدولة الجزائرية في النزاع، بحيث شدد على تمركزها في قلب الملف، وعلى أن الملف لا يمكن أن يُحدث فيه أي تقدم دون أن تنخرط الدولة الحاضنة في المسلسل السياسي على أرضية ما انتهت إليه مباحثات جنيف 1 وجنيف 2، وعلى معايير الحل السياسي، المتوافق بشأنه، الحل العادل الذي يحقق السلم والأمن في المنطقة المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي.
2 – القرار الأممي من الناحية الأمنية وضع الدولة الحاضنة في مواجهة الأمم المتحدة من حيث أن مجلس الأمن أكد على ضرورة احترام ولاية بعثة المينورسو من حيث قيامها بمهمة حفظ الأمن والسلم، وهي المهمة التي يتم عرقلتها من طرف مليشيات البوليساريو التي تنطلق من الأراضي الجزائرية لتهديد أعضاء البعثة، وعدم السماح لهم بالتحرك بحرية شرق الجدار الرملي قبالة المخيمات بسبب التهديدات التي يتعرض لها أعضاء البعثة.
قرار 2654 في هذا الجانب لم يقم فقط بتوصيف الحالة الأمنية بالمنطقة، بل عمد إلى المضي قدماً نحو تحميل الجزائر لأي مسؤولية قانونية في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتهديد الأمن بالمنطقة بسبب الخروقات التي قد يتم القيام بها والتهديدات الميليشياتية التي قد تحدث وتنطلق من التراب الجزائري، مما جعل القرار يضع الدولة الحاضنة أمام مسؤوليتها في الجانب المتعلق بحماية الأمن.
وقد كان لافتا أن القرار فند كل دعاية النظام الجزائري المتعلقة بوجود حرب في المنطقة، بحيث أنه لم يشر لوجود أي حرب، بل اقتصرت ملاحظاته وتوصياته على الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة شرق الجدار الرملي، وتحميل البوليساريو مسؤولية تدهور الوضع اعتباراً لأن هذا التنظيم هو من أعلن عن خروجه من اتفاق وقف إطلاق النار ويُشهر ورقة الحرب في وجه الأمم المتحدة.
3- قرار مجلس الأمن أعاد إلى الواجهة مطلب الوضع الإنساني والحقوقي للواجهة، عند حديثه عن الأمن والتهديدات الغذائية التي تشهدها المخيمات نتيجة سرقة المساعدات الإنسانية التي كانت تهبها العديد من المؤسسات الدولية في إطار دعمها الإنساني لساكنة المخيمات، هنا يكون القرار قد أعاد للواجهة مضامين خلاصات تقرير مكتب مكافحة الغش الأوروبي الذي اتهم الجنرالات الجزائريين بنهب هذه المساعدات وإعادة بيعها في أسواق أوروبية، لذلك فالقرار، وهو يعيد للواجهة مسألة سرقة المساعدات الإنسانية ليربطها بالأمن الغذائي داخل المخيمات، يكون قد أشار للدولة الجزائرية اعتباراً لتورط عناصرها في سرقة هذه المساعدات، مما يجعلها مسؤولة عن التهديدات المرتبطة بنقص المساعدات الغذائية داخل المخيمات.
الجانب الآخر الذي يتماشى مع هذا المطلب الإنساني، هو المطلب الحقوقي الذي صدر في القرار المتعلق بإحصاء ساكنة المخيمات، وتمكنها من بطاقة لاجئ لتمارس وتتمتع بكافة حقوقها على رأسها الحق في التنقل لخارج المخيمات بحرية، أضف لذلك أن إحصاء الساكنة سيساهم في ضبط وفرز المنتمين للمنطقة ولهم علاقة بالنزاع، ومن تم استقدامهم من مناطق الجوار للاستيطان بالمخيمات للرفع من نسبة ساكنتها لتسهيل نهب المساعدات، وللمزايدة بهم واستغلالهم في الدعاية الإعلامية الموجهة للخارج، وكأن هناك «شعبا» حقيقيا موجودا داخل المخيمات. الأمم المتحدة أصبحت أكثر وعيا بطبيعة التركيبة الديموغرافية داخل المخيمات، وببقاء الساكنة المتبقية داخلها بشكل قسري، مما دفعها لاتخاذ قرار واضح يطالب الدولة الجزائرية باعتبارها دولة اللجوء والدولة الحاضنة بالسماح بالمؤسسات الأممية بالانتقال للمخيمات وإحصاء ساكنتها.
قرار مجلس الأمن لهذه السنة يعتبر قرارا مفصليا، ينقل النزاع على المستوى الأممي من مرحلة إلى أخرى أكثر وضوحا في العلاقة مع الطرف الأساسي في الملف، صاحب المصلحة السياسية في عدم التوصل لحل لطيه، وهو الدولة الجزائرية، لهذا خاطبها القرار بشكل مباشر، واضح وصارم.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 31/10/2022