قضية المرأة في صلب الوثيقة التوجيهية

فدوى رجواني

 

كما هو معلوم، بادر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إلى إصدار أرضية توجيهية لكافة الاتحاديين والاتحاديات حول مغرب اليوم في ظل الجائحة وتداعياتها متعددة الأوجه على الصعيدين العالمي والوطني، وهي أرضية يعتبرها الكاتب الأول نفسه قابلة للإغناء والإثراء من قبل الأطر الحزبية وكل الفعاليات التقدمية والنخب الفكرية المتنورة، في أفق رسم خارطة طريق لمغرب ما بعد كورونا في تفاعل إيجابي مع مشروع النموذج التنموي البديل.
وإذا كانت الوثيقة تتضمن قضايا مختلفة من قبيل الوضع الدولي والحكامة الدولية والنظام الاقتصادي العالمي وتتناول على المستوى الوطني الأمان الاجتماعي ودور القطاع العمومي والمغرب الثقافي والمنظومة الجبائية وتقوية المؤسسات وقضايا التربية والتعليم والبحث العلمي والمنظومة الصحية والوضع الحزبي وغيرها من القضايا التي تشغل الرأي العام باعتبار ارتباطها الوثيق بما سيكون عليه مغرب الغد، فإن الوثيقة بوأت قضية المرأة مكانة متميزة في انسجام تام مع فكرنا الاشتراكي الحداثي وإيماننا العميق بالمساواة والمناصفة.
لقد جاء في الوثيقة «ليس من حل إلا أن نعيش زماننا وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من النساء اللواتي يعتبرن، كما أثبتت تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة، فاعلا محوريا في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا في معادلة التنمية والرقي المجتمعي» فمساهمة المرأة من وجهة نظر الوثيقة دعامة أساسية في البناء الديمقراطي والتقدم الحضاري وللتنمية العادلة والمستدامة. وإذا كانت هذه الرؤية بديهية بالنسبة لأي حداثي تقدمي، فإن دور المرأة في مواجهة الجائحة لا يزيد هذه البديهية إلا صدقية ومشروعية، ولنا في نساء الصحة والأمن والتعليم، ونساء عاملات الضيعات والنسيج المثال الواضح على المساواة الميدانية في الواجبات التي يجب أن توازيها وتواكبها المساواة في الحقوق، في العمل والأجر والقرار السياسي والتدبير الحكومي والحريات الفردية، إعمالا لمبدأ المناصفة وتثبيتا للحقوق الإنسانية في بعدها الكوني.
ولا يمكن في الواقع أن تتحقق المناصفة بالمعنى الكامل للكلمة دون هدم التمثلات السلبية للأنثى من خلال عمل ثقافي عميق تسهم فيه المؤسسة التربوية والمنظومة الإعلامية وأهل الفن والأدب وكل الفعاليات البشرية المؤسسة للوعي الجمعي.
وفي هذا السياق، تؤكد الوثيقة أن ترسيخ المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية هو السبيل الوحيد لبناء المجتمع الحداثي العقلاني. وقد أبانت تجربة الحجر الصحي أن المرأة جديرة بكل تكريم وتقدير من قبل الدولة والمجتمع. لقد تحملت النساء ضغطا مضاعفا زمن الحجر فاضطلعنا بمهام إضافية من قبيل ضمان التحصيل الدراسي للأطفال ورعايتهم في ظروف نفسية صعبة والحرص على احترام الإجراءات الصحية داخل البيت وخارجه ناهيك عن الأعمال المنزلية الاعتيادية والعمل خارج البيت بالنسبة للموظفات والعاملات. ومع الأسف الشديد كانت المرأة رغم كل هذه المسؤوليات الضحية الأولى للتداعيات المباشرة للجائحة سواء على مستوى فقدان الشغل أو عدم الاستفادة من صندوق الكوفيد بدعوى أنهن لسن من ربات الأسر أو على مستوى العنف الناجم عن التوترات النفسية الاجتماعية التي حكمت سلوكات كثير من الذكور الذين لم يتكيفوا بما يكفي مع الحياة داخل البيت وهم الذين تعودوا على فضاءات أخرى تؤثث أوقاتهم الحرة. والواقع أن ثلث الأسر المغربية تعولها نساء مما يستدعي تدارك الموقف من قبل اللجنة الوطنية لليقظة وإحقاق حق المرأة المغربية في الدعم على غرار ما يحدث في الدول الديموقراطية التي وزعت الإعانات على قدم المساواة في حين أن دول أمريكية لاتنية صرفت الإعانات للنساء دون الرجال على اعتبار أنهن أكثر رعاية للأسرة وأكثر حرصا على الأطفال. وسيرا على هذا النهج، دعا الكاتب الأول إلى تأمين حياة وصحة المغربيات وحمايتهن من العنف من خلال تجنيد النيابة العامة والشرطة القضائية لتمكين النساء من التبليغ عما يصيبهن من ضرر وتعنيف جسدي ولفظي في ظروف الحجر الصحي والعمل على تقوية مراكز الاستماع وتوفير مأوى للنساء المعنفات. بهذه المقاربة الإنسانية ذات النفس الحداثي، عالجت الوثيقة إشكالية المناصفة والمساواة التي لم تجد طريقها إلى الوعي الجمعي لقطاعات واسعة من المجتمع المغربي المطوق برؤى رجعية متخلفة للمسألة النسائية، رغم كل الترسانة القانونية والمعارك التي خاضتها المرأة المغربية، من أجل صون كرامتها. واستشرافا للمستقبل تدعو الوثيقة إلى مراجعة المقتضيات القانونية التي تهم النساء بما يتناغم مع الوثيقة الدستورية خاصة الفصل 19 والذي ينص بصريح العبارة على المناصفة الكاملة والشاملة. هكذا تبدو محورية قضية المرأة في الوثيقة التوجيهية التي أصبحت بعد نشرها وتعميمها ملكا للرأي العام وقاعدة لنقاش وطني هادئ وعميق لمغرب ما بعد كورونا.

الكاتب : فدوى رجواني - بتاريخ : 09/06/2020