قوة المغرب في مواجهة الصدمات
بقلم: حبيب المالكي
ما كادت مراكش تستفيق من هول الكارثة الطبيعية التي ألمت بمنطقة الحوز، حتى تمكنت المدينة الحمراء من استعادة حيويتها وديناميتها بسرعة لا تضاهى. فقد كانت عاصمة الحوز طوال الأسبوع الماضي على موعد مع حدث دولي كبير استضافت خلاله نخبة رفيعة من مدراء ومسيري مؤسسات التمويل العالمي، في إطار الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقد شكل عقد هذه الاجتماعات فرصة سانحة لمناقشة وتعميق التفكير في القضايا المتعددة التي تحدد استراتيجيات النمو والتنمية في العالم، ولا سيما في ما يتعلق بالتغيرات المناخية والطاقات المتجددة وتدبير المواد الخام والتكنولوجيات الحديثة ومواضيع التنمية البشرية وإشكاليات التمويل. وفي مواجهة هذه التحديات المتعددة، يبرز تعزيز شبكات التعاون في ما بين بلدان الجنوب اليوم كمشروع للمستقبل الواعد بالنسبة للبلدان النامية في سياق دولي يخضع لعملية إعادة هيكلة عميقة. ومن الواضح أن تكثيف هذه الشبكات عبر القارات يتطلب التزاما متزايدا من جانب بنوك التنمية لتعبئة تمويلات أكبر وأكثر مرونة لبلدان الجنوب.
وقد مكنت هذه الاجتماعات، التي تنظم في إفريقيا للمرة الثانية منذ أكثر من خمسين عاما، من إتاحة الفرصة لاستكشاف مسارات نهوض بلدان القارة الإفريقية والسياسات التي يتعين تنفيذها في إطار التعاون في ما بين بلدان الجنوب بهدف “المزيد من التكامل”. في ديناميات النمو العالمي. وقد حظيت تجربة المغرب، البلد المضيف ، باهتمام خاص في هذا الصدد، ومن الأهمية بمكان تحليل هذه التجربة على اعتبار أن الأمر يتعلق باقتصاد ناشئ يواجه، شأنه شأن معظم الاقتصادات الإفريقية، تحديات متزايدة.
فقد أبان المغرب عن قدر ة كبيرة على الصمود في مواجهة المخاطر المتعددة. وعلى الرغم من العوامل المزعزعة للاستقرار الناجمة عن الصدمات المتتالية الناجمة عن الوباء، واستمرار الجفاف، والتضخم، وتعطيل سلاسل القيمة العالمية، ومؤخرا، الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، فإن الديناميات الاقتصادية والاجتماعية التي انطلقت منذ عدة سنوات لا تزال مستمرة وتزداد قوة إلى اليوم. وعموما، فقد تمكن المغرب من احتواء تأثير هذه الصدمات، اقتصاديا واجتماعيا، من خلال الاستفادة من الدينامية الداخلية للاقتصاد والمجتمع. وينبغي التذكير هنا بأن المغرب أظهر خلال مواجهة المخاطر التي نشأت عقب تداعيات الأزمة الوبائية، جاهزية واستجابة كبيرة من خلال سرعة التدخل كما أبان عن فعالية في إدارة الأزمة في بعدها الثلاثي: الصحي والاقتصادي والاجتماعي.
إن الصدمة المناخية، التي أصبحت تتكرر في السنوات الأخيرة مع تداعياتها على الموارد المائية التي تؤثر بشكل خاص على الأنشطة الزراعية، يتم تخفيفها إلى حد ما، على المدى المتوسط والطويل، من خلال جهد مزدوج: الاستثمار الضخم في البنية التحتية المائية وتنويع الهياكل الإنتاجية. كما أن الصدمات الخارجية المرتبطة بعدم الاستقرار الجيوسياسي، والتي أدت في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة، تفرض هي الأخرى قيودا شديدة على التوازنات الأساسية، مما يتطلب إدارة حكيمة. وأخيرا، في ما يتعلق بالصدمة التي واجهتها البلاد مؤخرا، أي الزلزال المدمر، نلاحظ أنه لم تمر أربعة أسابيع فقط على وقوع الكارثة، وبفضل التدفق الكبير لقوافل التضامن، حتى تم التكفل بالمنكوبين السكان ورعاية السكان المتضررين في المنطقة بالكامل من خلال إنشاء أماكن إقامة مؤقتة، وإطلاق عمليات سريعة وناجعة لترميم البنية التحتية الأساسية (خاصة الشبكات الطرقية) وتمت برمجة مشاريع كبرى لإعادة إعمار المناطق المتضررة وبناء المساكن التي هدمها الزلزال جزئيا أوبالكامل.
وهكذا، فإن ارتفاع المخاطر يظهر الحاجة الملحة للعمل في المستقبل على تعزيز قدرات الاقتصاد والمجتمع على الصمود في مواجهة الصدمات بجميع أنواعها كجزء من استراتيجية عالمية تغطي مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية، ويتعلق المحور الأول بالبيئة المؤسساتية ونظام الحكامة. فقد أظهرت إدارة الأزمات في الواقع الأهمية التي تحظى بها جودة المؤسسات وطريقة إدارة الهياكل المسؤولة عن تدبير الشأن العام ، في حالة الطوارئ.
كما أظهرت الحاجة إلى تماسك المجهود العمومي في إطار التخطيط الاستراتيجي الذي يسمح بالترابط الجيد بين الآجال القصيرة والمتوسطة والطويلة بتنوعها المزدوج، القطاعي والمجالي.
أما محور الأولوية الثاني لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة حالات الصدمات فهو محور البنية التحتية الأساسية اللازمة لحسن سير النشاط الاقتصادي، ولا سيما البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية والاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات الأساسية.
وبالإضافة إلى دوره الحاسم في إدارة الأزمات في حالة وقوع كارثة، يشكل تعزيز البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية محركا حقيقيا لإنعاش النشاط من خلال آثاره المضاعفة على سلاسل الإنتاج. وفي الوقت الذي تتاح فيه فرص نقل الأنشطة مع إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية التي أفرزتها الأزمة الصحية، يمكن أن تشكل جودة البنية التحتية للبلاد عاملا قويا لتحسين موقعها في الديناميكية الجديدة للاستثمارات الأجنبية.
ويمكن للمغرب أن يستفيد من ذلك، نظرا لقربه من أحد أهم الأسواق الدولية، بشرط تحسين معايير جاذبيته، بما في ذلك البنية التحتية الأساسية.
كما أظهرت الاضطرابات التي وقعت في البيئة الاقتصادية جراء سياق جيوسياسي غير مستقر، أن النظام الإنتاجي المرن والتنافسي والمرتفع الإنتاجية يكون أكثر قدرة على تحمل الصدمات الخارجية وضمان درجة معينة من الاستقلالية في حالة الأزمات.
وهذا هو واقع الحال خصوصا بالنسبة للشركات العاملة في أنشطة إنتاج السلع الأساسية، مثل المنتجات الغذائية أو الأدوية أو منتجات حفظ الصحة.
ومن وجهة النظر هذه، يصبح ضمان درجة معينة من استقلالية الاقتصاد إحدى الأولويات الرئيسية لتدبير الشأن العمومي.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الأمن الغذائي، على وجه الخصوص، يعد منذ فترة طويلة أحد المحاور الرئيسية للسياسة الفلاحية في المغرب. ومن المهم اليوم اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز هذا التوجه كجزء من استراتيجية فلاحية تدمج التحديات المائية التي أصبحت أكثر خطورة مع تواتر سنوات الجفاف.
وختاما، لا يمكن تصور سيناريوهات الإصلاح الشامل لخيارات السياسة الاقتصادية دون الأخذ بعين الاعتبار البعد المتعلق بتنمية الرأسمال البشري.
ويتطلب تعزيز قدرات الاقتصاد والمجتمع ككل على الصمود، بذل جهود متواصلة في مجالات التعليم والتكوين، حيث يظل تحقيق الأهداف التنموية المرجوة على مستوى رفع القدرة التنافسية والإنتاجية وخلق فرص الشغل رهينة بجودة نظام التعليم والتكوين المهني. أما العامل الآخر للمرونة فهو درجة التماسك الاجتماعي والتضامن.
وهنا مرة أخرى، أظهرت التجربة الحية الحاجة إلى تطوير أشكال جديدة من التضامن من خلال إنشاء أنظمة حماية شاملة، وتطوير برامج للحد من انعدام المساواة وإنشاء شبكات أمان لتكون قادرة على التخفيف من الصدمات التي تؤثر بشكل خاص على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة.. ويشكل تعميم الحماية الاجتماعية خطوة جبارة إلى الأمام في هذا الاتجاه، والتي يجب تعزيزها في المستقبل من أجل قدر أكبر من المرونة الاجتماعية.
الكاتب : بقلم: حبيب المالكي - بتاريخ : 17/10/2023