كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة 

محمد الطالبي

انطلقت الجولة الربيعية من السنة التشريعية في البرلمان المغربي، وهي مثقلة بملفات شائكة وأسئلة مُلحّة تتعلق بمصير المال العام، وبفعالية المؤسسات الرقابية، وبمنظومة الحكامة التي يبدو أنها تعيش فترة «غياب جماعي»،  أو بالأصح، تغييب غير مبرر أمام نواب الأمة. ففي وقت ينتظر فيه الرأي العام كشف الحقائق وتحقيق المحاسبة، يغيب استدعاء مؤسسات الحكامة الدستورية لمساءلتها أمام المشرّعين، في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام. هل هو تجاهل متعمد؟ أم تهاون إداري؟ أم أن هناك ما يُدار في الكواليس بعيداً عن أعين الرقابة والمساءلة البرلمانية؟ المؤكد أن مكتب مجلس النواب لم يقم ببرمجة حضور هذه المؤسسات، والمعروف أن هذه المؤسسات كانت مثار جدل ونقاش من طرف الحكومة، على اعتبار أنها تعمل بحرية واستقلالية محمية بالتعيين الملكي لمسؤوليها وبمكانتها الدستورية وحتى بنزاهة متحملي المسؤولية فيها .
من جهة أخرى، تستمر أزمة ما بات يعرف  «الفراقشية» والذين تقول الحكومة ومن داخلها بأنهم استولوا على 1300مليار في رمشة عين تحت مسمى الدعم لأجل تخفيض أسعار اللحوم، وهو ما تجندت له البواخر والأسواق الدولية وصفقات قارونية وإعفاء من الضرائب بل وإنشاء شركات في آخر لحظة لاقتسام الكعكة، حيث يتحول الدعم من آلية لدعم المواطنين إلى كعكة لأجل عيون المحظوظين، والأمر يتعلق بالاستيراد، أي نزيف العملة الصعبة وما أدراك ما العملة الصعبة، أضف إليها الآثار المدمرة التي أدت إلى فقدان 200ألف فلاح وفلاحة مغاربة لمصدر العيش والشغل، وهجرتهم أسرهم التي كانت تتعيش من الرعي وكسابة الأغنام والماعز وحتى بعض الأبقار . إلى جانب ذلك، لا تزال مظاهر نهب المال العام حاضرة، في ظل غياب رادع فعلي، ووسط شعور شعبي متنامٍ بأن الإفلات من العقاب بات القاعدة، لا الاستثناء.
وبدأت تنتشر مظاهر العنف وحمل الأسلحة البيضاء وحتى مواجهة سلطات إنفاذ القانون التي تجد مرة أخرى نفسها معزولة في مواجهة الجريمة خارج أية سياسة حكومية لردم هوة الاحتقان في الشارع المغربي، مع إحساس متزايد من المواطنين باليأس من الفاعل السياسي والنقابي بفعل مظاهر التغول وتحدي القانون، خاصة حين يتعلق الأمر بإصرار مسؤولين حكوميين نافذين على الجمع بين السلطة والمال، والاستفادة من صفقات بمئات الملايير ضدا على القانون والأخلاق، وإعلان تحديهم للرأي العام .
هي سلوكيات تدفع المواطن إلى حالة من اليأس أمام مظاهر التنمر والاحتقار، حيث بدأت بوادر التحضير لشراء الذمم استعدادا لانتخابات لم يعلن عنها رسميا حتى الآن. ورغم أن مواعيدها باتت شبه قارة ومحترمة بفضل الحرص الملكي، فإن باقي التفاصيل المهمة لا تزال غامضة.
أسئلة جوهرية لم يجب عنها بعد، من قبيل: هل ستجرى الانتخابات في يوم واحد؟ ما هو التقسيم الترابي للجهات، الأقاليم، والعمالات؟ كم عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة؟ ما هي طريقة تمثيل النساء والشباب؟ وغيرها من الأسئلة الحارقة التي اعتدنا أن تكون موضوع نقاش وطني واسع، يشارك فيه كل الفاعلين والمتدخلين، وعلى رأسهم الأحزاب المعنية.
نحن أمام سنة استثنائية بكل المقاييس، والبلاد في حاجة إلى مؤسسة تشريعية تليق بالتحديات، لا إلى جولات شكلية تمر مرّ السحاب. البرلمان مطالب اليوم بأن يسترجع ثقة الناس، وأن يُمارس صلاحياته في الرقابة والمساءلة بكل جرأة واستقلالية. أما الغياب أو التواطؤ أو الصمت، فلم يعد مقبولاً، خاصة في ظل سياق إقليمي ودولي دقيق، وسقف شعبي يزداد منسوبه كل يوم .
في خضم هذه التحديات، تنشغل الأغلبية الحكومية بصراعات داخلية تُخاض أحياناً في ما بينها، وأحياناً أخرى ضد المعارضة والرأي العام والناخبين أنفسهم. بدل أن تتفرغ لتحمّل مسؤوليتها السياسية، تنخرط بعض مكوناتها في معارك جانبية تُضعف العمل التشريعي وتُعمّق فجوة الثقة مع المواطنين. ويزيد الطين بلّة ما يُتداول حول تدفق «جود بدون جود» ـ في إشارة إلى ممارسات إحسانية مشبوهة تسبق الانتخابات ـ والتي تُعيد إنتاج ظاهرة الإهانة الانتخابية، وتجعل من العملية الديمقراطية سوقاً للابتزاز السياسي.
إن ما يحدث يُنبئ بخطر كبير، فالمشهد الانتخابي بدأ يُختزل في حمى انتخابية سابقة لأوانها، حيث تُباع وتُشترى الولاءات، ويُتلاعب بحاجيات المواطنين، وتُوظّف الجمعيات والمساعدات الموسمية كأدوات انتخابية بامتياز. نحن إذن أمام دورة انتخابية ثانية تُرسم ملامحها في الخفاء، على أنقاض ما تبقى من الثقة في السياسة، لتعيد مشهد «نخاسة عصرية» تُعرض فيها كرامة الناس للبيع بأبخس الأثمان !

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 17/04/2025