كلمة .. البرلمان وقتل الديموقراطية 

محمد الطالبي

مرة أخرى، تتعطل جلسة دستورية وترفع بحضور متزعم التحالف الأغلبي بسبب شنآن بين رئيس الجلسة ومستشار من الغرفة الثانية، ليتم إيقاف البث المباشر واجتماع رؤساء الفرق، وهو الحدث الذي عاشه أول أمس مجلس النواب لأسباب أخرى تتعلق بتجاوز منطوق الدستور والنظام الداخلي والأعراف بل محاولة التقليل من الدور الرقابي للبرلمان وحتى دوره التشريعي الذي جعله الدستور حكرا عليه.
تكرار الحوادث بافتعال من الحكومة، غالبا، ومن بعض مكونات الأغلبية في أحايين أخرى، يجعلنا نشكك في وجود نية لدى الفاعلين الحكوميين لتبخيس عمل المؤسسات وتكميم كافة المؤسسات السياسية والنقابية عبر احتكار الإعلام العمومي وجزء كبير من الإعلام الخاص باستغلال ظروف الأزمة التي يعانيها قطاع الإعلام التقليدي والمستجد لخنقه وتطويعه، وهو ما لا يستقيم ودور الإعلام في بناء الديموقراطية…
وبالعودة إلى واقعة الثلاثاء يسجل مرة أخرى مواجهة مستشارين من الأغلبية لمستشار المعارضة وتبادل اتهامات خطيرة بالريع والاستفادة من الأراضي بغير حق .
لا صوت علا على صوت الضجيج والملاسنات الحادة التي حولت الوقار الواجب لمؤسسة دستورية يفترض فيها تمثيل المغاربة إلى حلبة فجة بأصوات مرتفعة جدا!
ومرة أخرى كان السبب مطالبة مستشار ببرمجة سؤال حول الأراضي بمدينة الداخلة، لكن الأمر يتجاوز ذلك، فمراجعة النظامين الداخليين أضحت واجبة لأن المتتبع لهذه الجلسات الأسبوعية أو الشهرية يلاحظ أنها لا تعطي أي وزن للمعارضة البرلمانية بل تستنزفها بهامش الوقت الذي تمنحه لها، خاصة أن دقيقة لطرح أو توضيح قضية معينة غير كافية، وحتى زمن إجابة الوزراء يكون غير كاف، فغالبا جملة انتهى الوقت تخلف وراءها غموضا في الجواب والسؤال والتعقيب، وهذا يمس النجاعة!
ثم إن الوقت لصالح الحكومة ومعها الأغلبية يضيع في الكثير من الزمن على اعتبار أن الأغلبية تعمل بطريقة أوتوماتيكية، وتكتفي بدعم والدفاع عن الحصيلة وتثمين الرد مما يفقد الجلسة ذلك الجانب التفاعلي بين الحكومة والبرلمان، لأن هذا الأخير سلطة تشريعية مستقلة حتى عن الحكومة التي تدعمها أو تنتمي إليها، ولأجل ذلك كان فصل السلط وتوازنها، وسيبقى للبرلماني وللمستشار حق التشريع والرقابة.
لقد قام دستور 2011 على تقوية دور البرلمان، وخصوصا مجلس النواب، من أجل جعله المعبر الحقيقي عن إرادة الأمة، وعلى الرغم من هذا التوجه فإن مؤسسة البرلمان عموما تظل مشرعا استثنائيا أمام الحكومة التي يخول لها الدستور اختصاصات صريحة، وكذلك أثبتت الممارسة السياسية دورها المهيمن على التشريع، إن هذا الأمر لا يبخس من عمل البرلمان ولا يفرغ دوره الريادي في عدة مجالات، وخصوصا في مجالي التشريع والمراقبة، وإذا كانت المستجدات الدستورية والقانونية ضرورية ومهمة في تأطير العمل البرلماني، فإنها تحتاج إلى نخب برلمانية أكثر جرأة من أجل الانتقال بمنطوق فصول الدستور من دفتي الوثيقة الدستورية إلى واقع سياسي أكثر دينامية وفعالية .
إن مثل هذه الممارسات الرامية إلى تبخيس دور البرلمان بغرفتيه هي في العمق استمرار أو تنفيذ، بالأصح، لمنطق التغول وقتل للديموقراطية، لأن الممارسات الحكومية مستمرة ولن تسقط بأثر رجعي كمطلب اعتذار أخنوش للمغاربة حين حقر دور المعارضة وبالتالي البرلمان !

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 11/07/2024