كلمة: الحق في السكن .. الكرامة لا تنتظر
محمد الطالبي
في كل مرة تخرج الحكومات بتصريحات مبشرة حول تحسين أوضاع السكن والقضاء على دور الصفيح، نكتشف أن الحق الأساسي في السكن اللائق ما زال رهينة خطط طويلة الأمد، لا تكاد تلامس واقع المواطنين الذين يعانون يوميًا من تداعيات هذا التأخير. الحديث عن زيادة نسب الإسكان وتحقيق «إنجازات رقمية» يبدو، في أحسن الأحوال، خطابًا بعيدًا عن الواقع، وفي أسوئها، محاولة لتجميل إخفاقات.
عندما تُقدّم الحكومة الحالية برامج الإسكان وكأنها «هبة» للمواطنين، فإننا أمام مشكلة جوهرية في فهم العلاقة بين المواطن وحقوقه في بلده. السكن، كما الغذاء والتعليم والصحة، من أبسط حقوق الإنسان، وليس ريعًا يمكن منحه أو حجبه وفق خطط سياسية. وترك المواطنين لعقود يعيشون في دور الصفيح أو في مساكن لا تراعي أبسط معايير الكرامة، هو انتهاك صارخ لهذا الحق، وتجاهل متعمد لواجبات الحكومة تجاه شعبها.
التفاخر بالانتقال من إسكان 6200 أسرة سنويًا بين 2018 و2021 إلى 17,700 أسرة سنويًا من 2021 إلى 2024 هو خطاب فارغ إن لم يكن مصحوبًا بسؤال أساسي: هل هذه المساكن لائقة؟ زيادة الأرقام وحدها لا تعني شيئًا إذا كانت الجودة غائبة، وإذا كانت هذه الشقق تُبنى في مناطق معزولة تفتقر إلى الخدمات الأساسية.
ثم إن حكومة رجال الشركات ورأس المال تعتبر عشرات الآلاف من المواطنين رهائن للبؤس والعيش بمعية الجرذان ودون صرف صحي بل وحتى دون ماء وكهرباء ولا مدارس ولا كرامة، أمرًا عاديًا، ونتحدث عن المخططات.
أما وجود أسرة واحدة بلا مأوى، فهو تفريط، ويعني عدم إيلاء الأهمية للبسطاء في أرض الله الواسعة.
أما أرقام التجارة وشراء المساكن وتحديد البيع في الثلث (أي عشرون مليون سنتيم مع البنوك وقروض الإذعان والواجبات…)، فالواقع يتعدى استطاعة المواطن، وهو حكم بالتشريد فوق أرض الوطن.
السكن اللائق لا يعني فقط جدرانًا وسقفًا، بل يعني بيئة متكاملة:
إبقاء المواطنين لعقود ينتظرون حقهم في السكن اللائق خلل عميق في السياسات العامة. هل المشكلة في ضعف التخطيط؟ أم في غياب الإرادة السياسية؟ أم في الفساد الذي يلتهم ميزانيات المشاريع؟ مهما كان السبب، فإن النتائج واحدة: أسر تعيش تحت رحمة الظروف، ومدن تفقد ملامحها بفعل العشوائيات.
وترك المواطنين أيضا بلا سكن لائق لسنوات هو جريمة اجتماعية بامتياز، تُفاقم الفقر، وتكرّس الإقصاء، وتعرقل التنمية. لا يمكن بناء مجتمع متماسك ومستقر دون ضمان حق كل مواطن في سكن يليق بكرامته. لذلك، يجب أن تتحول قضية السكن من ملف مؤجل إلى أولوية وطنية عاجلة، لأن الكرامة لا تنتظر، والعدالة الاجتماعية لا تقبل التأجيل .
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 12/12/2024