كلمة :هي سرقة موصوفة ! 

محمد الطالبي

شهد البرلمان المغربي بعضا من الحديث الصادق والهادف في اتجاه تغول الحكومة وتغول حزب داخل الحكومة وجرأة بعض وزراء جيء بهم إلى الحكومة من صنف العاملين في الشركة القابضة، التي يبدو أنها وسعت نشاطها ليشمل السياسة بعد أن هيمنت واحتكرت كل مفاصل الاقتصاد الوطني، واحتكرت قوت المواطنين، حيث ألهبت المحروقات والتهمت 1700 مليار في تقرير رسمي دون أن يرف لها جفن…
وباسم المعارضة الاتحادية نبه عبد الرحيم شهيد إلى (أنهم سرقوا الوطن ويريدون سرقة التاريخ…) ليس افتراء ولا مزايدة بل نتيجة وأمر واقع، فالذي يجعل أبناء الوطن عرضة للبطالة ونساء المغرب يفتقدن لجل حقوقهن، ويشرد عشرات الآلاف المغاربة من منازلهم، ويجبر شعبا بأكمله على أن يكون بدون عدالة اجتماعية، ويحاول اغتيال جسم المحاماة، والذي يسيطر على الإعلام ويجعل منه فقط مجرد صمت مطبق آيل للسقوط لعدم استقلالية تمويله، والذي يرهن مشاريع مجتمعية كبرى كالتغطية الصحية والتعليم ويستبيح سنة من عمر طلاب الطب حتى أن أبو قراط في عطلة لأن لا خريجين سيؤدون قسما من أجل صحة الناس…ولأن القصة لا تنتهي…
ارتفاع صارخ لأسعار القوت اليومي في حده الأدنى إذ ما زال ملايين المغاربة يعيشون على الخبز والشاي حتى بدون زيت، وذاك بحكم كيانات أضحت فاعلا ليس فقط حزبيا بل حكوميا ولاعبا في كل مفاصل الإدارة، وتسعى إلى المزيد من أجل التهام شعب بأكمله ..إذا لم يكن هذا سرقة للحاضر والمستقبل فماذا نسميه؟
نعم، هي سرقة موصوفة لأحلام مغاربة ناضلوا وأعطوا كل غال ونفيس حين كانت الكائنات «الزحفطونية» تزحف على ثروة وخيرات بلد في غفلة من الزمن ومن أية رقابة .
إنه نموذج صعب وقاتل للديمقراطية والأوطان لأن هاجسه الربح وفقط الربح، ولأنه يجعل نفسه مركزا والباقي حواريين باسم الحزب والجمعية والمجتمع المدني، وباسم الجود والرضا حتى تقتنع النفس الأمارة بالسوء .
أما حين نتحدث عن سرقة التاريخ فالأمر لا يحتاج التذكير بالبارونات وتجار المخدرات الذين عبثوا بالانتخابات التشريعية السابقة، وكل الاستحقاقات والكلام ليس لعبد الرحيم شهيد بل لدى القضاء والأجهزة الأمنية المختصة التي قدمت عشرات منهم للقضاء ومنهم من صنع خرائط انتخابية وصنع مقاعد بقوة المال، وضرب حرمة صناديق الاقتراع،  فهل يدخل المال الحرام وأموال الفساد والمخدرات ضمن منح الشرعية الشعبية، وكم يمثل هذا في نتيجة الاقتراع، على الأقل، الأخير، الذي مثل هزيمة أخلاقية للتحالف الثلاثي وضيع على البلد فرصة لفرملة هذا المارد من الفساد ولجمه في منتصف طريقه حينها، فالأمر يتعلق بالسطو على الإرادة الشعبية وعلى صوت الناس قبل خبزهم وقوتهم .
جعلوا من السياسة مجرد شركة عوض أن تكون اختيارا تعدديا بين ناس الوطن وأهل البلد بعمق وطني يروم التقدم… قاموا بسرقة التاريخ والتشبه بالسياسة والسياسيين والمناضلين،  نعتوا أنفسهم بمسميات ليست لهم، حولوا المقرات الحزبية إلى مجرد تدبير مقاولات صغيرة واستعانوا بكتبة بلا أخلاق يزينون أعمالهم ورجسهم فتكون كلمات وخطب لا تشبه المغرب في شيء بل تشبه لغات من يتجنسون بجنسياتهم أو يتباهون بالانتماء إليهم .
هي سرقة في وضح النهار للتاريخ ولكن مؤكد أن الوطن ولاد، وأن المستقبل والتاريخ محمي بإرادة الشعوب، ولن يجدوا مهربا من التاريخ ومن الجغرافية ومن بلد وشعب يعرفهم جميعا وسيحاسبهم آجلا أم عاجلا …
أما بخصوص بعض سُراق الكلمات، الذين يعتقدون أنهم وصلوا سدرة المنتهى، وأنهم أضحوا فاعلين سياسيين يتطاولون على حرمة وكرامة شعب ويعتبرونه مغفلا وغافلا ويمكن الاستخفاف به.. .
لهؤلاء نقول لهم القول المأثور : «وسعوا النوافذ فالزمن دوار» !

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 21/11/2024