كلمة : وهبي و»الطنز العكري»

محمد الطالبي

بلغة القانون، فإن عبد اللطيف وهبي يكون قد أنكر المنسوب إليه من طرف مكون أساسي بل استراتيجي للعدالة، والذي لا تستقيم العدالة دونه، وهم نساء ورجال البذلة السوداء؛ أي المحامون والمحاميات.
وبلغة المغاربة العامية، يكون وزير العدل قد مارس «الطنز» بكل الألوان على المهنيين ورجال العدالة، واستصغر حتى مؤسسة تشريعية لها دور دستوري، حين ادعى داخل مجلس المستشارين أنه لا يعرف ما هي مطالب مؤسسات المحامين والمحاميات، وأنه لا علم له بما يريدون، وأن الحوار لم يُغلق أبدًا.
بل وطالب المستشارين بأن يحتضنوا الحوار ويكونوا شهودًا، في حين أن للحوار مقامه وسياقه وظروفه ودفاتر تحملاته بالنسبة لأطرافه.
الاستخفاف الذي تعامل به وهبي مع ملف ساخن كهذا يستمر معه قرار نافذ بمقاطعة المحامين للجلسات والمحاكم، وهو ناجح بشكل قاطع رغم ما يسببه من ألم كبير، ويشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق المتهمين في قضايا الجنايات، وضياع حقوق الأفراد والشركات، وحتى الدولة أمام المحاكم التجارية.
أكاد أجزم أن ما يحدث في العدالة المغربية، بغض النظر عن صوابية أي موقف، يشكل طعنة للاستثمار الخارجي ولرؤوس الأموال الأجنبية، التي لا تنتعش ولا تكون مستعدة للمغامرة في ظل غياب استقرار مؤسسات العدالة واستقلالها. وبهذا، يصبح الجهد الكبير لجلب المستثمرين من الخارج معرضًا لخطر التلاشي وهروب رؤوس الأموال.
يمكن لوزير العدل أن يصم أذانه، ولكن لا يمكنه تجاهل صوت الآلاف من أصحاب البذلة السوداء، والتي يجب أن نعتبر أن سوادها يعبر فعلاً عن واقع أسود ومؤلم يؤثر على مصالح الوطن وعلى الحريات وحقوق الإنسان، باعتبار المحاماة، رغم جميع التحفظات، درعًا لحماية الحقوق والحريات، ومكسبًا للوطن والإنسانية.
وكان مشروع قانون المسطرة المدنية، الذي ينتظر عرضه على الغرفة الثانية، مصدر صدام بين الحكومة والمحامين، الذين اعتبروه «غير دستوري ويهدد مهنة المحاماة… ويضرب الدور الرئيسي والاعتباري لمهنة المحاماة واستقلالها».
وتركزت انتقادات المحامين للمشروع على مقتضيات مثيرة للجدل، من بينها استحداث مكاتب وسطاء لحل النزاعات قبل لجوء المتقاضي إلى المحاكم، وكذلك إلغاء دور المحامي في بعض مراحل التقاضي وفرض غرامات على المتقاضين في حالة عدم صدور الحكم لصالحهم.
المحاماة أكبر من مهنة بل هي رسالة سامية للدفاع عن الحقوق والحريات، وحماية العدالة وسيادة القانون.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 08/11/2024