كوبا وإفريقيا، كوبا والمغرب

مصطفى خُلَالْ
ورد في قصاصة قصيرة لوكالة المغرب العربي أن (دياز كانيل برموديز)، رئيس جمهورية كوبا، استقبل سفير المغرب، السيد هشام العلْوي، الذي قدم له أوراق اعتماده. وطبقا لما تضمنته القصاصة فإن الطرفين عبرا عن إرادتهما في بناء علاقات تجارية وثقافية لمصلحة البلدين.
الخبر أعلاه يطمئن كل مغربي، خاصة وأن كوبا في عهد كاسترو كانت تدعم البوليساريو دعما قويا جدا في قضية الصحراء المغربية وتتبنى السياسة «الثورية» لمؤسس عقيدة الجمهورية الجزائرية هواري بومدين، بعد أن قام بانقلاب عسكري ضد الشرعية، شرعية الدولة الجزائرية حديثة النشوء بعد ثلاث سنوات فقط من تحرر الشعب الجزائري من قبضة الاستعمار الفرنسي في العام 1962. هكذا صرح السفير المغربي الجديد السيد هشام العلْوي على إثر استقباله من طرف الرئيس الكوبي على أن المجالات الثلاثة وهي الاقتصاد والتجارة والثقافة مرشحة لأن تعرف انطلاقات جديدة لمصلحة البلدين. وكان السيد بوغالب العطار، وهو أول سفير مغربي يعين في كوبا، قد صرح في حوار صحفي في شهر أبريل من العام الماضي بأن قوس القطيعة بين البلدين تم إغلاقه، مشيرا إلى أن استقباله كأول سفير تم في أجواء يطبعها النبل والابتهاج اللذان يطبعان أخلاق الشعب الكوبي.
كانت قد سبقت إعادة العلاقات بين البلدين والتي ظلت منعدمة منذ العام 1980، زيارة خاصة قام بها جلالة الملك للجزيرة الكوبية. اعتبر الكثيرون هذه الزيارة بالذات تاريخية يقوم بها ملك مغربي لبلاد يقودها حزب شيوعي. ملك ينتمي لتاريخ وثقافة وتقاليد مختلفة اختلافا كبيرا. كانت الزيارة الملكية إعلان صداقة لها جذور تعود إلى الزيارتين التاريخيتين اللتين قام بهما كل من تشي غيفارا للمغرب قبل ستين سنة تلاها استقبال فيديل كاسترو في القصر الملكي في العام 1963. فقد ترك السفر الملكي للجزيرة الكوبية انطباعا جيدا في الكوبيين ويَسًرَ العملَ الدبلوماسي لأول سفير مغربي بعد القطيعة الطويلة. وبالطبع لم يكن سهلا عمل تصحيح الصورة الخاطئة التي كانت للنخبة والشعب الكوبيين بخصوص المغرب دولة ومجتمعا وقضايا مصيرية. فالبروباغاندا المعادية للمغرب لم تكن بدون آثار سلبية، وهي البروباغندا التي كانت مدعومة بالطبع بالروابط الخاصة التي جمعت بين الشهيد المهدي بنبركة والقادة الكوبيين…
وإنه لجدير بالتأمل التصريح الذي عبر فيه السفير الكوبي في الرباط في العام 2020 السيد دوموكوص روويز عن حقيقة فكرية بالغة الأهمية. قال إن معرفة جيدة تخص العلاقات بين البلدين لابد أن تتأسس على منطلق يبتعد عن التصورات القائمة على كتابات الآخرين. قال: (إننا نعرف بعضنا من خلال ما يكتبه الآخرون عنا. غير أني أعتقد أنه يتعين أن نعرف بعضنا من خلال ما نكتبه نحن عن بعضنا البعض، مثلما يتعين أن نعرف بعضنا من خلال تبادل الزيارات المباشرة). كان هذا التصريح الهام على إثر توقيع اتفاق بين الوكالتين الإخباريتين للبلدين. وهو ما يحمل دلالة وأهمية كبيرتين. فالصحافة وعملية تبادل المعلومات هنا في المغرب وهناك في كوبا قد تقومان بدور بارز في تصحيح رؤية كل طرف إزاء الآخر.
والحق أن ما يجمع بين المغرب وكوبا لذو أهمية بالغة. فالبلدان معا يميز كل واحد منهما تاريخ عريق، ويوحدهما النضال ضد القوى الأجنبية كما النضال ضد الاستعمار القديم والجديد، مثلما تقرب بينهما الغيرة القوية على استقلالهما، وتوحدهما الإرادة الملحاحة في بناء مجتمعين قويين حريصين على تقدمهما في إطار من السيادة على كافة أراضيهما، مما يفتح كل الأبواب لتعاون تجاري وتبادل ثقافي واسع. وما أكثر ما يمكن للمغرب أن يستفيده من علاقاته مع كوبا ذات الشأن الكبير في أمريكا اللاتينية، يقابله المغرب ذو الشأن المماثل في القارة الإفريقية التي ليست غريبة أبدا عن إفريقيا، ثقافيا وسياسيا وتاريخيا…
إن من يراجع العلاقات الكوبية الإفريقية، لا شيء يجده فيدهشه ولا عنصر واحد من عناصر سياستها الخارجية. فكوبا كانت تنتمي إلى معسكر ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي، وهوما يعني أنها تقسم العالم إلى دول «تقدمية» وأخرى رجعية، الأولى مناهضة للإمبريالية الأمريكية والثانية «عميلة» لها. لا حاجة لذكر أن كل اليساريين في العالم كانوا يتبنون نفس التحليل ويَنْشَدُّونَ إلى نفس المواقف. أما كوبا الشيوعية أو بالأحرى كوبا – فيديل كاسترو، فإن روابطها العابرة للأطلسي، تتملك خلفيات تاريخية وأخرى ثقافية في علاقاتها بالقارة السمراء، فضلا عن التصور المستجد في التاريخ العام والذي أشرنا إليه على نحو عابر.
غير أنه وبعيدا عن هذا التصور المعروف والمتداول حد الابتذال، هناك ما هو أعمق في العلاقات الكوبية الإفريقية وخاصة على المستوى الثقافي، والمغرب مؤهل كي يكون بلدا ذا ريادة في إفريقيا وهو ما قد يسهم في تقوية روابطه بكوبا ذات المنزع الثقافي الإفريقي…
الكاتب : مصطفى خُلَالْ - بتاريخ : 15/02/2022