كورونا والتطرف السياسي هيمنا على الوضع بفرنسا سنة 2021

يوسف لهلالي
عاشت فرنسا، هذه السنة، على وقع الحملة الانتخابية للرئاسيات، وهي حملة سوف تتصاعد مع بداية سنة 2022، وذلك في ظل الانتشار الكبير لوباء كورونا والتصاعد المقلق لمتحور أوميكرون، والذي لم يخلف حتى الآن عددا كبيرا من الضحايا، وذلك للنسبة المهمة من الملقحين ( حوالي 80 في المائة) بشكل كامل . لكن الاقتصاد الذي تعافى بشكل كبير في سنة 2021 مع بداية الخروج من تداعيات الوباء، أصبح اليوم مهددا بهذه العودة القوية لآثار الوباء مع الموجة الخامسة لكوفيد.
وبالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون فهو منشغل بالحملة الانتخابية رغم عدم دخوله رسميا لحلبة السباق، لكنه يرد، في كل تدخلاته، على منافسيه الأساسيين، سواء ممثلة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، التي تم اختيارها من طرف أعضاء حزبها لخوض هذا السباق بعد انتخابات تمهيدية وسط هذه العائلة السياسية، الرد أيضا يشمل اليمين المتطرف، سواء تجاه مارين لوبين، الممثلة الكلاسيكية لهذاالتيار أو الممثل الجديد لهذه الحركة الشعبوية، ذي الأصول المهاجرة الجزائرية إيريك زمور، المعروف بحملته العدائية ضد المهاجرين، ويتوعد الفرنسيين بالاستبدال الكبير لسكانهم في حالة عدم اختياره رئيسا للجمهورية، وهو يقدم نفسه باعتباره” المنقذ ” لبلد فولتير من” اختفاء “سكانه وهويته. ويبدو الرئيس الفرنسي أمام هذا المرشح المتطرف والعنصري إنسانيا ومدافعا عن القيم الكونية مقابل الانغلاق الهوياتي، الذي يدعو له زمور.
إيمانييل ماكرون يدخل السنة الجديدة لـ2022 بعدة تحديات أساسية، خوض الحملة الانتخابية للرئاسيات، الحفاظ على أداء الاقتصاد الفرنسي وخاصة النمو الاستثنائي الذي حققه في السنة الماضية، احتواء تداعيات وباء كورونا والرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وهي تحديات مختلفة ومتباينة، وتدبيرها سيكون له انعكاس على نتائجه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن الرئيس الفرنسي عليه أن يدبر هذه الملفات المعقدة وذات الطابع المحلي بالإضافة إلى تدبير السياسة الخارجية لبلده، والتي تتعرض لعدة تحديات وتقلبات تكون أحيانا عنيفة وغير متوقعة بدخول فاعلين جدد ومنافسين أقوياء، خاصة في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تدبير الأزمة بمالي، التي عبر قادتها الجدد بعد الانقلاب، عن رغبتهم في اللجوء إلى الخدمات العسكرية لشركة “فاغنر” الروسية، وهو ما يعتبر تراجعا لدور فرنسا وأوروبا، في الوقت الذي تحتفظ فيه باريس بحوالي خمسة آلاف جندي بهذا البلد، الذي مازال تحت رحمة الحركات الجهادية وعدم الاستقرار السياسي، وهو بلد يسعى إلى الاستعانة بخبرة الروس في المجال الأمني، وهو ما جعل فرنسا وأوروبا تهددانه بتطبيق عقوبات إذا ما حدث هذا التحول.
بالإضافة إلى استمرار التوتر في ليبيا، وعدم القدرة على احترام أجندة الانتخابات التي رعتها باريس في اللقاء الأخير بالعاصمة الفرنسية، بحضور مختلف الأطراف الليبية وكذا الدولية الأساسية في هذا الصراع، وبحضور المغرب أيضا الذي لعب ومازال دورا كبيرا لمساعدة هذا البلد على استرجاع استقراره.
من أكبر التراجعات أيضا فقدان فرنسا لصفقة “اوكوس”، والتي لا تعتبر مجرد صفقة للغواصات النووية، بل إن الأمر يتعلق بوضعية التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي قررت الولايات المتحدة الحضور بها والعودة بقوة إليها، لفرض طوق مشكل من الحلفاء حول الصين التي بدأ توسعها يهدد المصالح الأمريكية، وكذلك مكانة واشنطن كأكبر قوة اقتصادية بالعالم. ويبدو أن فرنسا التي لها سياسة المهادنة مع الصين، يجعلها هذا الموقف بعيدة عن موقف التحالف بالمنطقة، والذي تقوده واشنطن ويتميز بسياسة أكثر عدوانية تجاه الصين .
أما سياستها مع بلدان المغرب العربي فهي تعرف برودا كبيرا أيضا خاصة مع المغربـ، حليفها الأول بالمنطقة، حيث افتقدت العلاقة بين البلدين هذه السنة لتلك الدينامية المعهودة، فالمغرب ينتظر من باريس تجاوبا إيجابيا مع قضيته الأولى والاعتراف الكامل بمغربية الصحراء على غرار خطوة الإدارة الأمريكية، وباريس تنتظر القاطرة الأوروبية التي لا يمكن أن تسير دون اتخاذ ألمانيا نفس التوجه، باعتبارها بلدا له ثقل اقتصادي وسياسي وبلدا مؤثرا على المجموعة الأوروبية، حيث اختارت برلين في نهاية ولاية ميركيل معاكسة مصالح المغرب في وحدته الترابية قبل أن يتحول الوضع مع المستشار الجديد اولاف شولز، الذي عبرت إدارته بشكل إيجابي عن مجهودات المغرب في استقرار المنطقة ودعمت مبادرته للحكم الذاتي.
مايفسر تردد فرنسا أيضا مع المغرب، أنها لا تريد أن تفقد السوق الجزائرية، والتي تعتبر مهمة أيضا للمقاولات الفرنسية رغم الصعوبات التي تتعرض لها اليوم، بسبب المنافسة الصينية والتركية، بالإضافة إلى التقلب الكبير للمزاج السياسي لمؤسسة هذا البلد العسكرية، والذي يعيش على ريع ذاكرة حرب التحرير وريع الغاز والبترول أيضا.
أما العلاقة مع تونس، فإن المتاهات التي دخل فيها النظام السياسي الجديد في رحلة طويلة للبحث عن شرعية جديدة وتجاوز شرعية الثورة على نظام بنعلي، تعتبر مسارا مليئا بالمنعرجات والحفر لنظام حالي يعاني من وضع اقتصادي هش، لهذا لا أحد بتونس يعرف أين ستقف سفينة الانتقال السياسي والمفاجأة التي سيأتي بها.
هذا دون الحديث عن مشروع فرنسا للدفاع الأوروبي، الذي لن يكون من السهل تحقيقه، في ظل الأوضاع الحالية وما تعرفه التيارات الانعزالية والهوياتية من انتعاش بكل بلدان أوروبا بما فيها فرنسا، لهذا فإن التحديات التي تنتظر فرنسا كبيرة على المستوى الخارجي، سواء من طرف قوى منافسة لها مثل الوضع في إفريقيا أو على مستوى المحيط الهادئ والهندي، مع حلفاء أطلسيين كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسبب الخلاف حول التعامل مع بيكين.
وضع فرنسا كقوة متوسطة اليوم يجعلها في خضم تحديات خارجية تتجاوز إمكانياتها العسكرية والاقتصادية، أمام رأي عام ينحو نحو الانطوائية والانغلاق على الخارج، وهي كلها تحديات ستكون معقدة أمام رئيس، عليه، في نفس الوقت، قيادة الوضع ببلده والنجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي قد تؤدي بعض الشعارات والمطالب بها إلى مواجهة مع حلفاء وشركاء فرنسا، كما حدث في قضية التأشيرة مع بلدان المغرب العربي.
الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 31/12/2021