لا لتمزيق مشاعر مليار ونصف مليار من المسلمين 

   عبد السلام المساوي

 

بقناعة الإيمان المؤسس على جوهر التدين المغربي، وكمسلم مؤمن بالإسلام الحنيف، هذا الدين السماوي القائم على الرحمة والحب والتسامح والتآخي … وكمناضل متشبع بالموروث الثقافي المغربي الأصيل، وسياسي متشبع بقيم اليسار الكونية : العقل، الحرية، التسامح ، الإيمان بالاختلاف، احترام المعتقدات ، الحوار… نبذ العنف، التعصب، الانغلاق والانعزالية، الحقد والكراهية، العنف والإرهاب …أقول :  لا يمكن أن نقبل المساس بمعتقداتنا المقدسة، وأن كل مس بمصحفنا الكريم هو تطرف مرفوض ومدان، وهو ضرب لقيم التسامح والعقلانية، لا نقبل أي مساس بمعتقدات الآخرين ونحترمها كمغاربة لذلك على الآخرين احترام معتقداتنا وثوابتنا …
كمسلم أدين أي فكر أو سلوك مؤدي للحقد والعنف والكراهية، وأعلن رفضي لأي فكر إرهابي متطرف، بعيدا عن الشعبوية والانتهازية الإيديولوجية الانتخابوية لتنظيمات تتاجر بالدين الإسلامي وتستغله أسوأ استغلال في تحقيق مآرب سياسية…
إن تمزيق نسخة من المصحف الكريم  بمنزلة هدية مجانية لتنظيمات التطرف والإرهاب، التي تجيد السباحة والتجديف في مثل هذه الأنواء، وتوظيفها في جذب الشباب نحو الأفكار التي تروج لها، ولا سيما ما يتعلق بعداء الغرب للإسلام واستغلال ذلك في الوقيعة وإقناع الشباب ليس في العالم الإسلامي فقط ، بل داخل الدول الغربية ذاتها سواء من أبناء المسلمين المهاجرين وتحديدا من الجيلين الثاني والثالث، أو غيرهم ممن يسافرون للغرب للدراسة والعمل وغير ذلك، بارتكاب جرائم إرهابية يدفع ثمنها ويتحمل عواقبها الجميع، مسلمين وغير مسلمين.
إن تمزيق نسخة من المصحف الكريم هو تمزيق لمشاعر مليار ونصف مليار من المسلمين …
ندين بدين الإسلام، ونؤمن بثوابته ومقدساته، ونضع رموز الإسلام على رأسنا ونعتبرها مسبقة على أقرب المقربين إلينا، ونقول بكل قناعة وصدق : الدفاع عن الإسلام لا يكون بالجهالة العمياء، ولا بالقتل والسباب والصراخ بكل جاهلية .
الدفاع عن الإسلام يكون باعتناق الرحمة والعقل والتسامح، وإظهار أن المؤمن القوي هو فعلا أفضل بالنسبة لله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي في زمننا هذا هو المؤمن الذي يمتلك سلاح المعرفة واللغات وإنتاج العلم وتقديم الأشياء المفيدة لعالمنا الذي نعيش فيه .
المؤمن القابع في تلافيف ظلامه غير قادر حتى على صنع مصباح صغير لا يصلح لشيء، المؤمن الذي لا يتقن لغات الغير، والذي لا يتقن أحيانا حتى اللغة الأصلية التي ولد بها، والذي يكتفي بترديد ما يقال له مثل الببغاء لا يصلح لشيء، والمؤمن الذي لا يستطيع أن يدخل معترك هذا النقاش مع الغربيين بأسلحة وأدوات هؤلاء الغربيين أنفسهم هو أيضا لا يصلح لشيء.
في العصر العباسي الأول، العصر الذهبي، سخر الخليفة المأمون إمكانيات الدولة المادية والبشرية لنقل وترجمة علوم وفلسفة اليونان، وأنشأ لهذا الغرض مؤسسة ” بيت الحكمة “، وتشبع المعتزلة بالفكر العقلاني الفلسفي، ووظفوا العقل للدفاع عن الإسلام والتصدي للفرس الذين كانوا يريدون هدم الإسلام وصولا إلى الإطاحة بدولة المسلمين وخلافتهم، ولمواجهة هذا الخطر الخارجي، لجأ المأمون إلى العدو التقليدي للفرس، فوظف الفلسفة اليونانية لمواجهة الغنوصية الفارسية، ووظف أرسطو لمواجهة ماني وزرادتش ومزدك …وكانت مهمة علم الكلام المعتزلي هي الدفاع عن الإسلام بالأدلة العقلية والمنطقية، وهذا درس للمسلمين في كل زمان ومكان، أن مكافحة الإرهاب والتطرف ليست في ساحات القتال فقط، بل تبدأ وتنتهي في الضمائر والعقل وأيضا النوايا!
من هنا وجب علينا أن نخوض معركة الثقافة والعلم والمعرفة، وأن نتفوق فيها لأن المسلمين الذين كانوا قادة العالم في وقت سابق قادوه بفضل انتصارهم في هذه المعركة، ولم يقودوه بفضل سبابهم والشتائم والتهديد بالقتل والمقاطعة وبقية التفاهات .
هذه هي المعركة الأهم : أن نصبح منتجين للمعرفة والعلم عوض أن نبقى على قارعة الطريق، نسب الناس أو نقتلهم، أو في حالة العجز عن ذلك نهددهم بالقتل ونعتقد أننا نحسن صنيعا ….
نعم نؤمن بأنه لا يحق اللعب بالإسلام أو الاستهتار به وبمقدساته، ونؤمن أننا كمسلمين، علينا أن ندين أي فكر أو عمل إرهابي مهما كان ضحاياه أو الهدف الذي ارتكب من أجله، ونعلن رفضنا لأي فكر إرهابي متطرف …وعلينا أن ندرك أن الإساءة للأديان تحت شعار حرية التعبير هي دعوة صريحة للكراهية والارهاب، كما يجب تفادي نشر الإسلاموفوبيا التي لا تقل خطرا عن الإرهاب والتطرف .

الكاتب :    عبد السلام المساوي - بتاريخ : 04/07/2023

التعليقات مغلقة.